الفرق بين دولة الإمارات وغيرها من مجتمعات العالم يكمن في وجود قيادة لديها رؤية مستقبلية وتؤمن بأهمية الاستعداد لها
أي متابع لمجريات الأحداث الدولية في المنطقة العربية خصوصاً عندما يقرأ خبراً بأن حكومة تابعة لدولة تضع خطة وطنية شاملة استعداداً لخمسين عاماً مقبلة، فإن ما يتبادر إلى ذهن ذلك المتابع أن قيادة هذه الدولة لا تريد أن تترك الأمر للصدفة، وأنها لا تريد العمل وفق نظرية رد الفعل، كما تفعل أغلب دول هذه المنطقة، وأن المستقبل بالنسبة لهذه القيادة يحتاج إلى "صناعة" والتهيؤ لتحدياته من أجل التقليل من آثاره السلبية، وهذا هو تحديداً ما فعلته القيادة السياسية في دولة الإمارات، قبل يومين، عندما أعلن كل من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة أن العام المقبل (2020) سيكون عام الاستعداد للخمسين عاما المقبلة.
لا خلاف على أن لدولة الإمارات رؤيتها الخاصة في تحقيق التنمية، التي وضع لبنتها مؤسس الدولة الاتحادية المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والقائمة على فلسفة الاستثمار في الإنسان بشكل خاص، على اعتبار أنه الأساس لكل قصص نجاحها، فإذا كانت القيادات الإماراتية الحالية والمسؤولون فيها المستمرون في إبهار العالم؛ آخرها إرسال إماراتي إلى المحطة الدولية في الفضاء، هم نتاج الخمسين عاماً الماضية، فإن الاستعداد للخمسين سنة المقبلة التي ستكون في 2071، بلا شك يحتاج إلى جيل يستطيع ليس فقط أن يحافظ على المستوى الذي حققته الدولة وإنما مواجهة التحديات التي ستختلف وفق معطيات تلك الأيام.
الإمارات حققت نقطة في معركة مواجهة المستقبل الذي يحتاج إلى التدخل المبكر للسيطرة على المتغيرات التي باتت تحدث بسرعة، وهي لفتت أنظار المراقبين في العالم بأن هناك من يفكر بطريقة مختلفة وأن قيادتها منشغلة بمستقبل الوطن والمواطن ولا شيء غيره
التجارب الإنسانية تؤكد أنه عدم الاستعداد للمستقبل والتخطيط له يؤدي بشكل طبيعي إلى وجود فجوة كبيرة في المسيرة التنموية للمجتمعات، ولو أسقطنا الأمر على أيامنا الحالية فإن المتغيرات التي تحدث بسرعة ومتلاحقة جعلت أحد الأسئلة الشائعة والمتكررة في قراءة مستقبل يتمثل في: إلى أين تسير الدول والمجتمعات؟! في إشارة إلى أنه لا أحد يعرف مصيرها، وما مستقبلها، خصوصا أن مسألة تقييم مسار كل دولة ليست سهلة حتى على الاستراتيجيين وصناع القرار، ولكن هذا السؤال وبنسبة كبيرة وبشيء من الثقة والاطمئنان، يمكن للجميع أن يعرف دولة الإمارات إلى أين تسير، والفضل في ذلك وجود رؤية مستقبلية رغم أن المتغيرات المحيطة بها في الإقليم والعالم غير ثابتة.
الفرق بين دولة الإمارات وغيرها من مجتمعات العالم يكمن في وجود قيادة لديها رؤية مستقبلية وتؤمن بأهمية الاستعداد لها، فهو التحدي الأكبر للجميع، ولو تتبعنا كل الخطوات التي تتم هنا، في الإمارات، سنجد أنها تركز على استعداد للمستقبل، خصوصا أن الملامح العامة له يبدو فيها شيء من الوضوح لهذا، والإعلان عن الاستعداد لم يقتصر على مجال دون آخر، بل يشمل جميع القطاعات التنموية من تعليم وصحة ومعرفة واقتصاد وغيرها.
نحن اليوم نعيش مرحلة الثورة التكنولوجية الخامسة أو ما يعرف بالجيل الخامس بكل تفاصيلها، ونعيش مرحلة ما بعد غزو الفضاء والذكاء الاصطناعي التي دخلت في حياتنا اليومية، لهذا فإن فكرة جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، بدءاً من مجالات التخصص وطريقة اختيار الهيئة التدريسية وحتى شروط الدارسين فيها تعطينا مؤشراً إلى أن هناك استعدادا للمستقبل، ما يعني أن تلك الجامعة ليست مجرد رقم جديد يضاف إلى عدد الجامعات الموجود في الدولة أو في العالم، بل هي فكرة جديدة تعدّ الإنسان الإماراتي وغيره للمستقبل، من حيث الفكر والمهارات، وتسهم في بناء منظومة جديدة من قادة مؤهلين لمواجهة طبيعة التحديات المقبلة.
رهان دولة الإمارات في مستقبلها دائما يكون في الإنسان بوصفه الاستثمار الحقيقي، وعلى التعليم ومخرجاته، فهما العنصران الثابتان في أي عملية تنموية في كل مراحل الحضارات الإنسانية الناجحة على مر التاريخ، وهو الأقدر على إدارة التحديات التي سوف تواجهها خلال المرحلة المقبلة بمعرفة وإدراك.
الإمارات حققت نقطة في معركة مواجهة المستقبل الذي يحتاج إلى التدخل المبكر للسيطرة على المتغيرات التي باتت تحدث بسرعة، وهي لفتت أنظار المراقبين في العالم بأن هناك من يفكر بطريقة مختلفة وأن قيادتها منشغلة بمستقبل الوطن والمواطن ولا شيء غيره.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة