سمى الأمير محمد بن سلمان الأشياء بأسمائها.
قد يكون مقال توماس فريدمان، الأحد الفائت، في "نيويورك تايمز"، عن المواجهة المحتملة بين إيران وإسرائيل، من أكثر المقالات التي تم تداولها في الشرق الأوسط خلال الأيام القليلة الماضية.
ببساطة شديدة وضع الكاتب الأمريكي الوقائع في مواجهة بعضها بعضا؛ ليخلص إلى أن المواجهة الإسرائيلية الإيرانية دخلت حقبة الاشتباك المباشر، وليس الاشتباك عبر الأدوات.
لا أحد يحب الحرب، لكنني لا أرى أن حرباً "إسرائيلية" إيرانية في سوريا -في هذا التوقيت وفي ضوء هذه المعطيات- أمر سيئ لأمن المنطقة. فإيران منهكة وضعيفة، وعملتها تعاني انهيارا لا سابق له ولا أفق لوقفه، والصراعات التي تعصف بنظامها السياسي تبشر بخريف "الثورة" ونظامها وشرعيتها.
في العاشر من فبراير/شباط الماضي، أسقطت مروحية أباتشي "إسرائيلية" طائرة إيرانية من دون طيار، انطلقت من قاعدة "تي- فور" الجوية في سوريا، حيث تتمركز قوات للحرس الثوري الإيراني، وبالتحديد وحدة تشغيل "الدرونز" الإيرانية. لم تجزم أي جهة بشأن طبيعة الدرون الإيرانية، وما إذا كانت مجهزة بمتفجرات أم تنفذ مهمة استطلاع واختراق! بعد شهر بالتمام من حادثة "الدرون" الإيرانية، أغارت طائرات "إسرائيلية" على قاعدة "تي- فور" نفسها، وهو ما أدى إلى مقتل سبعة عسكريين إيرانيين بينهم الكولونيل مهدي دهقان، رئيس وحدة تشغيل "الدرونز".
ما تنبه له فريدمان، لم يفت الإيرانيين وحلفاءهم، وكان الأوضح في التعبير عن ذلك الأمين العام لمليشيا "حزب الله" حسن نصر الله الذي اعتبر أن "الإسرائيليين ارتكبوا خطأ تاريخياً... وحماقة كبرى، وأدخلوا أنفسهم في قتال مباشر مع إيران"، مضيفاً أنها "حادثة مفصلية في وضع المنطقة، ما قبلها شيء، وما بعدها شيء آخر، هذه حادثة لا يمكن تجاوزها ببساطة".
نحن أمام هجوم إيراني مباشر على "إسرائيل" يقابله رد "إسرائيلي" مباشر على أهداف إيرانية، في سوريا، بشكل غير مسبوق في تاريخ العداء بين البلدين، وهو مسار مرشح لسخونة أكثر. مما يعزز قناعتي باتخاذ الأمور هذا المنحى هو ضعف الضربة الثلاثية الأمريكية الفرنسية البريطانية في سوريا، والتي تلت الغارة "الإسرائيلية" المحكمة، وأنها جاءت من باب حفظ ماء الوجه، بعد أن استخدم نظام الأسد السلاح الكيماوي في دوما.
الضربة الثلاثية استهدفت الغرور الروسي وليس التمدد الإيراني في سوريا، والمثابرة الإيرانية على تحويل أكبر قدر ممكن من سوريا إلى ما يشبه "كانتون الضاحية" جنوب العاصمة بيروت. وهي بهذا المعنى ضربة ناجحة.
فروسيا لم تردّ على الضربة بمثل ما هدد سفيرها في بيروت، ودفاعاتها الجوية لم تعمل، وأحسن "الكرملين" ابتلاع الإهانة. بل إن موسكو عممت على دبلوماسييها ومسؤوليها، بحسب تقرير لوكالة "بلومبيرغ"، أن يتراجعوا عن لهجة العداء لواشنطن. وقام مشرعون روس، الاثنين الماضي، بسحب مشاريع قوانين كان كُشف عنها سابقاً وكانت تهدف لفرض عقوبات على شركات أمريكية، على الرغم من قسوة العقوبات التي فرضتها واشنطن على موسكو، وأدت إلى تدهور العملة وإفلاس صناعات روسية كبرى ورجال أعمال؛ أبرزهم أوليغ ديريباسكا، أكبر مالك لعملاق الألمنيوم الروسي "روسال".
غير أن "إسرائيل" غير معنية بالنتائج الروسية لضربة الثلاثي الغربي.
فبنيامين نتنياهو يعد من أكثر قادة العالم تواصلاً مع فلاديمير بوتين، و"إسرائيل" ليست طرفاً في الحرب بين موسكو والغرب، وهي نأت بنفسها عن إدانة الدور الروسي في سوريا، على خلفية ما اعتبره الغرب تغطية روسية لمذبحة دوما الكيماوية، ولم تنخرط تل أبيب في لعبة طرد الدبلوماسيين الروس بعد حادثة تسميم الضابط السابق في الاستخبارات العسكرية الروسية سيرغي سكريبال، الذي عمل لصالح الاستخبارات البريطانية وابنته يوليا، في مدينة سالزبيري البريطانية في 4 مارس/آذار الماضي. وفي الوقت نفسه ما عادت تل أبيب تثق بأن روسيا قادرة على لجم التمدد الإيراني في سوريا على نحو حاسم.
"إسرائيل" بهذا المعنى لا يبهجها تأديب روسيا، ولا تطمئنها العلاقة المميزة معها، وهي تراقب التردد الغربي في سوريا لا سيما تردد إدارة ترامب، وتعتبره مؤشراً للرغبة الأمريكية العميقة في الانسحاب أكثر من الشرق الأوسط.. كل هذا يؤكد لصانع القرار "الإسرائيلي"، وفي مكان خفي ومعتم، لصانع القرار العربي أيضاً، أن ضربات مثل ضربة قاعدة "تي - فور" وليس ضربات الثلاثي الغربي هو ما يتناسب مع الخطر الإيراني. وضربات مثل هذه لا بد أن تشعل حرباً في المنطقة؛ لأن قدرة إيران على ابتلاع الإهانات محدودة في ضوء عنجهية نظامها والمخاطر التي تتهدده في الداخل.
لا أحد يحب الحرب، لكنني لا أرى أن حرباً "إسرائيلية- إيرانية" في سوريا -في هذا التوقيت وفي ضوء هذه المعطيات- أمر سيئ لأمن المنطقة؛ فإيران منهكة وضعيفة، وعملتها تعاني انهياراً لا سابق له ولا أفق لوقفه، والصراعات التي تعصف بنظامها السياسي تبشر بخريف الثورة ونظامها وشرعيتها.
سمى الأمير محمد بن سلمان الأشياء بأسمائها حين قال لبرنامج "60 دقيقة" على محطة "سي بي إس" إن طهران ليست منافسة لبلاده؛ "فجيشها ليس من بين الجيوش الخمسة الأوائل في العالم الإسلامي، كما أن الاقتصاد السعودي أكبر من الاقتصاد الإيراني، وبالتالي فهي بعيدة عن أن تكون مساوية للسعودية، وهي ليست نداً لها".
آن الأوان لتوضع الادعاءات الإيرانية أمام الامتحان، بدل تركها تتسلى بالمنطقة وأمنها عبر مليشيات ومرتزقة وعملاء.
لتقاتلْ إيران مباشرة، بلحمها الحي وبدم الإيرانيين ومقدراتهم ومستقبلهم ومدنهم ومنشآتهم.
وبعدها لكل حادث حديث.
نقلاً عن "الشرق الأوسط"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة