الارتباك الأيديولوجي في المجتمع القطري ساهم وبشكل كبير في غياب تام للصورة الثقافية
تنفي السلطة في قطر منذ أكثر من عقدين من الزمان أنها تمارس سلوكا سياسيا شاذا، مما ساهم في اعتقاد السلطة هناك أن السياسة القطرية أكثر تعقيدا من أن يفهمها جيرانها من دول الخليج والذين حافظوا على اتزانهم السياسي في تعاملهم مع عضو في منظمة التعاون الخليجي.
ولعل الحقيقة التي يجب التحدث عنها تتمثل في أن الصبر الخليجي على قطر كان في أكثر حالاته تدفقا خلال العقدين الماضيين، مما جعل السلطة في قطر تتمادى في استنزاف هذا الصبر الخليجي وتفسيره وفق مساحة من الأفق الضيق الذي مارسته السلطة في الدوحة.
في هذه المرة التي اعترف فيها أن كل من كتب عن السلطة في قطر كتب عن أخطائها التي مارستها ولكن أحدا لم يكتب عن تنبؤات المستقبل الذي تذهب إليه السلطة القطرية في ظل هذا السلوك المتناقض، لذلك يبقى السؤال المهم إلى أين سوف تذهب قطر وإلى أين سوف تذهب آلتها الإعلامية؟ ما سوف أتحدث عنه في هذه المقالة هو مسؤوليتي حول مستقبل هذه السلطة في الدوحة وجزيرتها.
قبل البدء في تصور سيناريو النهاية السياسية في الدوحة عندما يدرك العالم أنه لم يعد بحاجة إلى المزيد من "قطر" السياسية وليس الجغرافيا والدولة، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن هناك علاقة طردية متسارعة بين السلطة في قطر وبين معايير الخطاب الإعلامي في قناة الجزيرة، ولكن هذه العلاقة الطردية أسهمت في تناقض كبير حول من يملك القرار في صيغته النهائية، فمنذ بداية الأزمة قبل 3 أشهر سجلت الكثير من التناقضات الكبرى بين السلطة السياسية في الدوحة والجزيرة، وقد كان آخرها تلك التغريدة الشهيرة للسطلة السياسية في قناة الجزيرة والتي تم نقضها، حول قبول الشروط الثلاثة عبر تصريحات وسيط الأزمة سمو أمير الكويت عند لقائه الرئيس الأمريكي.
العالم لم يعد بحاجة إلى المزيد من قطر التي يجب أن يتم تحريرها ثقافيا واجتماعيا وسياسيا، ولعل المستقبل القريب سوف ينقلنا إلى واقع مختلف، فأنا أراهن وبكل ثقة أن شكل السلطة في قطر لن يقاوم لأكثر من 12 شهرا قادمة وهذا الرقم شهير في الدوحة
وحيث إن السلطة في الدوحة أثبتت أن فهمها لآليات العمل في مجال العلاقات الدولية ليس صحيحا مما أنتج الكثير من الأخطاء السياسية، فالدوحة تفقد مصداقيتها السياسية الدولية بشكل تدريجي كنتيجة طبيعية للنزعة السياسية نحو الشر والهيمنة وتضارب المصالح وارتفاع معدلات الارتياب، حيث سيطر الخوف السياسي على السلطة في الدوحة والذي يصفه عالم السياسة "هوبس، بأنه يظهر على شكل انفعال" وهذا ما ركنت إليه الدوحة.
لم يعد العالم بحاجة إلى قطر وبشكل واضح أن السيطرة والهيمنة التي فرضتها تيارات الإسلام السياسي وتحديدا جماعة الإخوان المسلمين وغيرها من المؤدلجين على الدوحة ساهمت بشكل كبير في صياغة سياسة تجاوزتها الحداثة السياسية، ولم تكن الدوحة بين دول ما بعد الحداثة والتي أصبحت تفكر بما يسمى "بعولمة الأمن" حيث ترى دول ما بعد الحداثة أن الحروب بالنسبة لها أمر غير مقبول وغير واقعي في عصر عولمة الأمن.
الارتباك الأيديولوجي في المجتمع القطري ساهم وبشكل كبير في غياب تام للصورة الثقافية وأصبح من السهل على زائري دول الخليج تمييز الصورة المجتمعية لكل السكان في دول الخليج عدا المجتمع القطري الذي ساهمت سياسة الدوحة في إغراقه بالكفاية المالية، بينما انتزعت منه الوعي الثقافي والاستقلال الاجتماعي، وخاصة أن سياسات الدوحة حاولت المزج بين أيديولوجيا سلفية للمجتمع القطري وأيديولوجيا الإسلام السياسي للتحركات الدولية.
العالم لم يعد بحاجة إلى المزيد من قطر التي يجب أن يتم تحريرها ثقافيا واجتماعيا وسياسيا، ولعل المستقبل القريب سوف ينقلنا إلى واقع مختلف، فأنا أراهن وبكل ثقة أن شكل السلطة في قطر لن يقاوم لأكثر من 12 شهرا قادمة، وهذا الرقم شهير في الدوحة، والسبب في ذلك أن مؤسسة السياسة في الدوحة تفتقد إلى الكثير من المهارات السياسية مما جعلها تفقد مقوماتها بشكل تدريجي، حيث سوف نصحو على عالم لم يعد بحاجة إلى سياسات قطر.
نقلا عن "الرياض"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة