حضرتُ على مدى اليومين الماضيين في قصر الإمارات فعاليات المؤتمر الدولي الثالث لتعزيز مستقبل مستدام (ICASF 2025)، الذي نظمته جامعة أبوظبي وحضرته العديد من المؤسسات البحثية والفكرية العالمية عبر ممثليها.
لم يكن المشهد عاديا ولا تقليديا؛ بل كان أقرب إلى خريطة فكرية عالمية تُرسم في أبوظبي، إذ التقى علماء وباحثون وصناع قرار من عشرات الدول، يجمعهم سؤال واحد: كيف يمكن للإنسانية أن تصنع مستقبلًا أكثر استدامة، دون أن تدفع ثمن التقدم من بيئتها أو تماسكها الاجتماعي؟
شكل المؤتمر الفكري العالمي تجمعاً أكاديميا حقيقيا لتبادل أوراق بحثية، ومنصة تستشرف آفاق المستقبل لحوار عابر للتخصصات والحدود؛ ففي جنباته جلس عالم القانون إلى جانب خبير المناخ، وتقاطعت نماذج الأعمال المبتكرة مع مفاهيم العدالة البيئية، وامتد النقاش من الذكاء الاصطناعي والطاقة النظيفة في تنوع شكل ضرورة علمية فرضتها طبيعة التحديات المعقدة التي نعيشها.
ما يلفت الانتباه في ICASF 2025 هو أنه لا يتعامل مع الاستدامة بوصفها شعارا اخلاقيا عاما، بل كمنظومة سياسات وتشريعات وتقنيات ونماذج اقتصادية قابلة للتطبيق؛ فالاستدامة هنا هي مفهوم متكامل يربط بين البيئة والاقتصاد والتعليم وسوق العمل والحوكمة، ويعيد تعريف دور الجامعات بوصفها مختبرات للحلول لا مجرد قاعات للتدريس.
وقد عكس الحضور الدولي الواسع – من أكثر من 90 دولة – إدراكا عالميا لمكانة أبوظبي كمنصة فكرية قادرة على جمع هذا الطيف الواسع من الخبرات؛ فالإمارات شريك عالمي في صياغة أجندة المستقبل، تستثمر في التعليم العالي، والبحث العلمي، والتحول الرقمي، والاستدامة المؤسسية.
كما أن الرعاية الكريمة لمعالي الشيخ نهيان مبارك آل نهيان، وزير التسامح والتعايش، وما حملته كلمته الافتتاحية من رسائل حول المسؤولية المشتركة والوحدة الإنسانية، أضفت على المؤتمر بعدا قيميا مهما؛ فالعلم، مهما بلغ من تقدم، يبقى بحاجة إلى إطار أخلاقي وإنساني يوجه نتائجه نحو خدمة الإنسان لا تعميق الفجوات بينه وبين غيره.
من موقع مشارك ومتابع، يمكن القول إن ICASF 2025 قدم نموذجا لما يجب أن تكون عليه المؤتمرات الدولية في زمن الأزمات المتداخلة؛ حوار علمي رصين، وانفتاح على السياسات العامة، وربط بين البحث والتطبيق، وإيمان بأن المستقبل لا يُصنع داخل حدود التخصص الواحد، وهنا تكمن قيمة هذا الحدث، لا في عدد الأوراق البحثية فقط، بل في الأسئلة التي طُرحت، والشراكات التي وُلدت، والأفكار التي ستواصل وجودها لتغير حياتنا.
أبوظبي، أيضاً أرسلت من خلال هذا المؤتمر رسالة إلى العالم أن "الاستثمار في العقل، والعلم، والتعاون الدولي، هو الطريق الأكثر واقعية لبناء مستقبل مستدام، لا يُقصي أحدا، ولا يؤجل الحلول إلى جيل قادم".
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة