يجسد مهرجان ليوا الدولي 2026 أحد أبرز الأمثلة على قدرة دولة الإمارات على تحويل الفعاليات الكبرى إلى أدوات فعّالة للدبلوماسية الثقافية، حيث تمتزج الهوية الوطنية بالتراث والرياضة والمغامرة لإنتاج تجربة ثقافية شاملة تصل رسائلها إلى الداخل والخارج في آن واحد.
فالحدث الذي يُقام في منطقة الظفرة، حول تل مُريب أحد أعلى الكثبان الرملية في الدولة، ليس مجرد مهرجان موسمي، بل منصة واسعة تحتضن الثقافة الإماراتية وتقدّمها للعالم في قالب ديناميكي يجمع بين الأصالة والحداثة.
يمتدّ المهرجان على نحو ثلاثة أسابيع ابتداءً من 12 ديسمبر/كانون الأول 2025 وحتى 3 يناير/كانون الثاني 2026، ليقدّم سلسلة واسعة من الأنشطة التي تشمل عروضاً جوية لفريق فرسان الإمارات، واستعراضات للطائرات المسيّرة والألعاب النارية، وسباقات السيارات والدراجات والتحديات الصحراوية التي يشتهر بها سكان المنطقة.
وفي الوقت نفسه، يحتضن المهرجان أسواقاً تراثية وحرفاً يدوية وفعاليات ثقافية تعكس حياة الصحراء وعمق الارتباط بين الإنسان الإماراتي وبيئته الطبيعية، إلى جانب مساحات ترفيهية مخصصة للعائلات والأطفال تتيح لهم التفاعل المباشر مع ثقافة المكان.
ومع هذا التنوع الكبير، يصبح مهرجان ليوا نموذجاً متقدماً للدبلوماسية الثقافية التي تمارسها دولة الإمارات منذ سنوات عبر المزج المدروس بين الانفتاح الثقافي وتعزيز الهوية.
فالصحراء التي شكّلت تاريخ الإمارات وذاكرتها تتحول هنا إلى مسرح عالمي، تُعرَض فيه القيم الإماراتية القائمة على الكرم والضيافة والتنوع والتواصل الإنساني. وفي هذا المشهد تتلاقى الفنون الشعبية والرياضات التراثية والابتكارات الحديثة في الفعاليات البصرية، في رسالة واضحة بأن الثقافة الإماراتية ليست موروثاً ساكناً، بل منظومة حيّة قادرة على التفاعل مع العصر وصياغة سرديتها الخاصة.
وتكمن أهمية هذا النوع من الفعاليات في أنه يعزز ما يُعرف اليوم باقتصاد التجربة، حيث لا يكتفي الزائر بالمشاهدة، بل يعيش تفاصيل المكان ويتفاعل معها.
وهذا يعزز السياحة في منطقة الظفرة ويُسهم في تطوير المجتمعات المحلية من خلال فرص العمل، وتنشيط الحرف التقليدية، وتطوير منظومة الخدمات، وترسيخ حضور المنطقة على الخريطة السياحية والثقافية العالمية.
كما يرسّخ المهرجان قدرة الإمارات على تنظيم أحداث دولية كبرى في مواقع غير تقليدية، وهو ما يعزز صورتها كدولة مبتكرة قادرة على توظيف تنوّع بيئاتها الطبيعية لخدمة الثقافة والاقتصاد معاً.
وفي جانب آخر، يدعم المهرجان مسار الحضور الإماراتي في الساحة العالمية للأحداث الثقافية، من خلال بناء شراكات دولية في مجالات الرياضة الصحراوية والفنون الشعبية وتقنيات العروض الحديثة.
وبهذا يصبح الحدث منصة للتبادل الثقافي وتعزيز الروابط بين الإمارات والعالم، بما يتجاوز السياق الترفيهي إلى أثر دبلوماسي أعمق يوطّد مكانة الدولة باعتبارها وجهة ثقافية عالمية.
إن مهرجان ليوا الدولي 2026 هو تجسيد لفكرة أن الثقافة ليست محصورة في صالات العرض أو المدن الكبرى، بل يمكن أن تتجلى في قلب الصحراء، حيث تمتزج القيم الإنسانية العريقة مع تقنيات العصر، وتُصاغ تجربة ثقافية تلائم رؤية الإمارات للمستقبل.
وبذلك يقدّم المهرجان نموذجاً آخر لطريقة الدولة في استخدام الثقافة كأداة قوة ناعمة تعزز حضورها الدولي، وتربط هويتها الوطنية بفضاءات عالمية أوسع، وتؤكد قدرتها على تقديم سردية إماراتية متجددة تُخاطب الإنسان أينما كان.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة