نحن فعلاً بحاجة إلى مواجهة، مواجهة كل فكر نظن أن مؤداه للإرهاب.
لم تكن عادية على قلوب الخليجين، تلك الليلة التي تناقلت فيها وكالات الأنباء خبر استشهاد المصلين في مسجد الروضة بالعريش، فقد أبكت قلوبهم كما فعلت بالمصريين وقتها ..
رغم هذا الألم هناك محوران أظنهما يستحقان النقاش سريعا : أولا: هل ثقافة القتل تلك جديدة علينا أم أنها قديمة وهي تتطور فقط مع تطور كل شئ ؟،وثانيا وهو السؤال الذي يتبادر دائما لأذهاننا بغصة : ما الحل؟.
أما الأول، فيعتقد الكثيرون أن مشاهد القتل المنتشرة وقطع الرقاب والتفجير هي ثقافة غريبة علينا أو أن هؤلاء لم يسبقهم أحد إليها!! والأمر على عكس ذلك تماماً!! فللأسف أن هذه الثقافة منا وفينا إلا أنه لم يكن هناك توثيق إعلامي لها بالسابق أو أنها كانت على منوال أقل بكثير مما هي عليه الآن.. ولأن كل شيء في الدنيا يتطور فقد تطورت هذه الثقافة والممارسة عند هؤلاء حتى أصبحت كما نراها الآن!!
في كتب التاريخ أن جيشاً من المتشددين دينياً في نجد عام 1920 دخلوا على مسجد في منطقة الشعيبة في مدينة حائل وأطلقوا النار على كل من كان فيه ولم يخرج من أهل المسجد أحد أبداً، بل ووصل الذبح إلى محيط المسجد، والمؤرخون يسمون هذه الواقعة «بذبحة أهل المسجد» وقد وثّقها الشاعر ساكر الخمشي، إذ كان أبناء عمومته من ضمن المقتولين، ووثقها بقصيدة تتناقلها الأجيال قال فيها (ذبحة هل المسجد ركوع وسجاد.. يأتي لها من بعد ذلك منادي.. يا مذهب طوّح ورا الأربعة غاد.. أفنى عباد الله على غير قادي) ويقصد أن مذهب القتلة خرج عن المذاهب الأربعة المعتمدة.
حتى نصدق في محاربة الظاهرة يجب أن نحارب البذرة ونستأصلها، وهنا مكمن الصعوبة، لأننا فعلاً غير جادين بمحاربة تلك البذور، لأننا ما زلنا نحابي أصحابها أو نخجل ونتغاضى عن آرائهم التي هي بذور الإرهاب.
وقد وثقت الشاعرة نزيلة الأسلمية مذبحة أخرى تسمى في التاريخ مذبحة الجليدة، إذ دخل ذات الجيش المذكور على قرية الجليدة وأبادوا أهلها حتى كانت جثث الضحايا بالمئات وليمة للذئاب، ومن قصيدة الأسلمية تقول "تسعين قرم كلهم دنوة لي.. ضحوا بهم عوجان الألسن قبالي".. لقد قُتل تسعون رجلا من أهلها أمام عينيها!!
في عام 1977 اختطفت جماعة التكفير والهجرة في مصر المرحوم محمد الذهبي وزير الأوقاف السابق وقتلوه رمياً بالرصاص في عينيه لأنه ناصب فكرهم العداء.
يروي لي أخي المرحوم الدكتور غازي أنه عندما كان يدرس الطب في جامعة الإسكندرية اجتمع مجموعة من الشباب المتشددين في ساحة الجامعة وأحضروا طالباً مسيحياً وقاموا بقطع شرايين يده حتى نزف ومات بحجة أنه تحرش ببنت مسلمة في الجامعة أو نزع عنها حجابها!!
أذكر في إحدى سنوات الحج وعندما كان الحجاج الإيرانيون يرون ضرورة المظاهرات في الحج لإعلان البراءة من الشيطان الأكبر ويقصدون أمريكا وكانت تقع اشتباكات سنوياً بينهم وبين أفراد الشرطة لمنعهم من المظاهرات والمسيرات في موسم الحج، أذكر دخلت مخيم حملتنا في منى وإذا بحاج كويتي يرتعد خوفاً وكأنه يهذي من الرعب وحوله أصدقاؤه يهدئون من روعه، سألتهم ما الحكاية؟ قالوا: إنه وفي طريق عودته من المسجد الحرام إلى منى وقعت تلك المظاهرات وأنه شاهد بعينيه مجموعة من الحجاج الإيرانيين ينحرون رجل شرطة سعودي نحراً بالسكين!!
لعل كتب التاريخ مليئة بمثل هذه الحوادث ولعل ذاكرة النسيان استوعبت الكم الأكبر منها، ولأنه لم يكن في السابق توثيق بالتسجيل والتصوير ولم تكن هناك وسائل تنقل ما يحدث في حينه، لذلك غابت تلك الحوادث عن أذهاننا، إلا أن الحقيقة التي لابد من مواجهتها أن ثقافة القتل والنحر منا وفينا، وحتى نكون صادقين في محاربة هذه الظاهرة لابد من محاربة بذرتها، فالإنسان لا ينشأ مقتنعاً بوجوب قتل من خالفه الرأي أو الدين، لكنه يبدأ ببذرة التطرف والإقصاء واحتكار الحق المطلق، ثم يتطور الأمر والفكر – كما هي عادة الأمور – إلى أن تصل إلى ما نراه اليوم.
أما ثانيا : فإني أشير بداية إلى نتائج هذا الاجتماع الذي عُقِد مؤخراً من قبل دول التحالف الإسلامي الخاص بمحاربة الإرهاب، والذي أشار واضحاً إلى أهمية الحرب الإعلامية، والتي لا تقل عن أهمية الحرب الأمنية ضد الإرهاب، حتى نصدق في محاربة الظاهرة يجب أن نحارب البذرة ونستأصلها، وهنا مكمن الصعوبة، لأننا فعلاً غير جادين بمحاربة تلك البذور لأننا ما زلنا نحابي أصحابها أو نخجل ونتغاضى عن آرائهم التي هي بذور للإرهاب!!.
إقصاء الآخرين، احتكار الحق، عدم استيعاب وجود من يخالفنا في الدين والمذهب والرأي وأحقيته في ذلك، كل هذا نحن نؤمن به ونطبقه ونحيا من خلاله، لذا تصعب علينا محاربته، ومنه فقط تتولد أعمال القتل والنحر، هذه المسألة على بساطتها وعلى منطقية ترتيب نتائجها على مقدماتها، إلا أن عقولنا مازالت لا تستطيع هضمها.
نحن فعلاً بحاجة إلى مواجهة، مواجهة كل فكر نظن أن مؤداه للإرهاب، يجب ألا نتساهل مع بذور الإرهاب حتى لا تغدو أشجاراً ولها ثمار قد يصعب اقتلاعها .
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة