المسارح المغلقة.. نافذة ثقافية معطلة عن محاربة الإرهاب
خبراء في مجال الفن والمسرح بمصر يعبّرون لـ"بوابة العين" عن دعمهم لاستغلال المسارح وقصور الثقافة فنيا وثقافيا لمواجهة الفكر المتطرف.
قبل 3 سنوات تقريبًا وبالتحديد أكتوبر ٢٠١٤، أطلق الفنان الكوميدي علي قنديل حملة لإحياء المسارح المهجورة في مصر، تحت عنوان "عايز مسرح"، مطالباً الدولة المتمثلة في وزارة الثقافة تسليمه مسرحاً من تلك المسارح لمدة ثلاث سنوات ليُخرج من على خشبتها عدداً من المواهب، ويحيي الحركة المسرحية ويوفر فرصاً لعدد من العمال والحرفيين بخلاف استغلال المسارح المهجورة.
كتب الفنان عبر حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" آنذاك بياناً أكد فيه أنّه لو حصل على مسرح واحد فقط سوف يتمكن من تنظيم مهرجانات لكل فرق الجامعات المصرية، وفرق المسرح المستقلة وفرق الكنائس، دون احتياج أي أموال لعودة المسرح للعمل، ولكنه سوف يقوم بذلك بالجهود الذاتية.
مسرح متحرك
طيلة سنوات مضت سعى الفنان الكوميدي للحصول على مسرح، غير أنّ شيئا لم يكن، واستمرت الحملة تطالب طول الوقت بتشغيل المسارح، ولكنها استمرت في الإغلاق حتى صارت مهجورة دون عروض أو جمهور يذكر، بخلاف المسارح التي تأخذ ميزانية بالملايين، رواتب وحوافز العاملين فيها دون أي أعمال تساهم في إثراء الحركة المسرحية في مصر.
في الذكرى الثالثة من إطلاق حملة "عايز مسرح"، غيّر قنديل من فكرته التي حارب من أجلها على الرغم من الوعود التي حصل عليها، ولكنه لم يستسلم، إلى "مسرح متحرك" يجوب المحافظات ويقدم فنا مسرحيا لكافة الجمهور المتعطش له.
التطرف
دوّن قنديل عبر صفحته "لو كان الأمر تم وأخذنا مسرحا أنا والشباب المتعطش للمسرح، كان من الممكن تغيير الفكر المتطرف لهؤلاء الذين يواجهوننا بالنار والدمار، فالمسرح له دور عظيم في مواجهة الإرهاب، بخلاف أن أبسط شباب جيلنا في مقدورهم عمل من الخراب مسرحا".
توافقه الرأي الناقدة الفنية ماجدة خير الله، حيث تؤمن بأنّ عودة المسارح المصرية المغلقة والحالية، لدورها الفني والثقافي البارز وإثراء الحركة المسرحية في مختلف المحافظات ستحارب بشدة الإرهاب، وتقضي على جذوره المتفشية بين كثير من الشباب.
وتوضّح خير الله، أنّ خير طريق لعودة المسرح لسابق عهده أن يعودوا لما كان عليه حال المسرح في ستينيات القرن الماضي من وجود "مسرح التلفزيون" الذي أظهر فنانين عِظام من بينهم فؤاد المهندس وشويكار.
وتابعت خير الله في تصريحات خاصة لـ "بوابة العين" أن الإبداع في مصر أصبح يعاني بشدة، ولابد أن تعاد مسرحيات كبيرة أحبها الجمهور ولكن بنجوم حاليين، منوهة بأنها تثق بشدة في التفاف الشارع المصري حولهم، وهو ما سيثري الحركة المسرحية، بخلاف ظهور نجوم جدد يحبهم الناس في كافة مجالات العمل المسرحي، كالمؤلفين المبدعين والكُتاب وشباب الممثلين المسرحيين الذين يتمنون أن ترى أعمالهم وإبداعهم النور.
قصور الثقافة
وحول المسارح المغلقة، عبّرت الناقدة الفنية وعضو لجنة المشاهدة بمهرجان القاهرة السينمائي الأخير، عن غضبها من غلقها وعدم الاستفادة منها طيلة سنوات مضت، بجانب قصور الثقافة الموجودة في جميع المحافظات، والتي تراجع دورها خلال السنوات الأخيرة، والمسارح التي أصبحت لا تقدم أي مادة قط.
وتمتلك القاهرة والجيزة ٣٨ مسرحا موزعين بين الأماكن الحيوية كوسط البلد ورمسيس وقصر النيل، و٢٥ آخرين تابعين للثقافة الجماهيرية موزعين على محافظات مصر.
ملكية خاصة
فتوح أحمد الرئيس السابق للبيت الفني للمسرح، يشير إلى الخسارة الكبيرة من وراء غلق المسارح التي تعد "أبو الفنون في مصر"، معدّدا الأسباب التي من بينها الملكية الخاصة للمسرح، وتراجع جمهوره في الذهاب إليه مما كلّف المسارح خسارات فادحة.
وتابع أحمد في تصريحات خاصة لـ"بوابة العين"، أنّهم لا يقدرون على تقديم أي شيء لتلك المسارح الخاصة المغلقة، نظرًا لكونها تابعة الملكية لأشخاص، وهم من يتحكمون في مصيرها من حيث الغلق أو الاستمرار في تقديم عروض للجمهور.
وأكد الرئيس السابق للبيت الفني للمسرح، أنّ ما يقرب من ٨٠٪ من المسارح في مصر مغلقة الأبواب أمام الجمهور، ولابد من تطوير المحتوى وعودة النجوم الكِبار للمسرح، وتقديم أعمال تهم المواطن المصري، حتى يقتطع الأخير جزءا من وقته وماله لرؤية تلك العروض والاستمتاع بها، بخلاف تطوير المسارح لتتلاءم مع الوقت الحالي؛ وما يحدث في العروض السينمائية التي يراها المواطن مريحة وتناسب سهرة ممتعة له ولأسرته.
خطة وزارة الثقافة
في السادس والعشرين من يوليو تموز العام الماضي، أعلن وزير الثقافة المصري حلمي النمنم فور توليه الوزارة، عن خطة واسعة لتطوير وافتتاح المسارح المغلقة، وبالأخص مسارح الإسكندرية وعلى رأسها مسرح محمد عبد الوهاب.
فيما أكد النمنم،الإثنين، خلال لقائه ببرنامج "الحياة اليوم" المذاع عبر فضاية "الحياة"، أنّ أزمة المسارح المغلقة سببها إهمال الصيانة، وعوامل السلامة والأمان لعشرات السنوات، مؤكدا أنّ إصلاح ذلك لم يتم بين ليلة وضحاها بسبب إهمالها لعقود.
مناخ طارد
يعبر الناقد الفني طارق الشناوي عن حزنه من غياب المسرح طيلة الفترة الماضية، منوها إلى أن من الأسباب لذلك توقف النجوم الكبار الذين أسماهم بـ"العتاولة" عن المسرح، أمثال عادل إمام وسمير غانم وأحمد بدير، الذين أصبحت طاقتهم لا تتناسب مع المسرح والسينما، بجانب وجود مشكلة اقتصادية كبيرة والمناخ الطارد لرؤوس الأموال أن تستثمر في المسرح.
وتابع الناقد الفني في تصريحات خاصة لـ"بوابة العين" أنّ القطاع الخاص لا نقدر على جبره بتقديم أعمال مسرحية، في الوقت الذي بدأت الدولة خلال الفترة الأخيرة بـافتتاح عدد من المسارح، ولكن عليها أن تقدّم الدعم الكامل لإثراء الحركة المسرحية.
وأكد الشناوي أن المسارح المغلقة لابد وأن يعاد افتتاحها مرة آخرى، لأنها نوافذ هامة لمحاربة الإرهاب، فلو كانت النوافذ الأولى مكسورة وغير موجودة ومحطمة سيجد الإرهاب الفرصة سانحة لضربنا، بينما لو كان هناك غطاء ثقافي قوي عن طريق السينما والمسرح لتغيّر الأمر، وتبدّل مفهوم الشباب ناحية كثير من الأمور المتطرفة.
تجدر الإشارة إلى أنه فور عودة أحد "عتاولة" المسرح، الفنان يحيى الفخراني مرة أخرى العام الجاري، في مسرحية "ألف ليلة وليلة" التفّ الجمهور للمسرح مرة آخرى لتحقق المسرحية أعلى إيرادات في تاريخ المسرح المصري، بعد سنوات غاب فيها الجمهور عن حضور العروض المسرحية، لاسيما بعد توقف مسرحيته "الملك لير" في عام ٢٠٠٩ المأخوذة عن مسرحية وليام شكسبير الكلاسيكية.
ويعد آخر عرض مسرحي قدمه به الفنان الكبير عادل إمام كان في ٢٠١٠ عندما توقف عن آداء مسرحية "بودي جارد" بعد أن استمر عرضها ١٢ عاما، بينما يعد آخر عرض للفنان محمد صبحي عام ٢٠٠٤ بعد أن كان يقدّم حينها مسرحيات "لعبة الست" و"سكة السلامة" و"كارمن".
وفي ٢٠١٣ أقام الفنان أشرف عبد الباقي مسرحا تحت اسم "تياترو مصر" بصحبة عدد من النجوم الشباب، يقدمون عرضا أسبوعيا، وحازت إقبالا جماهيريا ملحوظا، ثم غيّر من اسمه إلى "مسرح مصر في ٢٠١٥.