المرجح أن الربع الثالث سيشهد ارتفاعا إضافيا في أسعار النفط والغاز بعد أن وصل إلى نقطة متوازنة في نهاية الربع السابق نتيجة زيادة الطلب
تقسيم العام إلى أربعة أرباع يعد من التقاليد الاقتصادية الراسخة للبنوك المركزية والبنوك بشكل عام وأسواق المال ورصد عمليات النمو والتراجع فيه والمكسب والخسارة أيضا. هي إحدى أدوات القياس التي لا تنزل لقصر الأيام والأسابيع والشهور، ولا ترتفع إلى مدى السنوات والعقود؛ ولكنها في كل الأحوال تشير إلى الاتجاه في الأمور المختلفة، أو تنذر بنذر، أو تبشر ببشرى.
وبات معتادا الآن أن تقاس بها أحوال الأزمات الكبرى التي يكون إلحاحها ثقيلا بحيث لا يمكن الانتظار كثيرا، كما أنها من الجدية والأهمية بحيث لا تكون هناك خفة في التقدير.
جائحة "الكورونا" أو الفيروس التاجي تقع في دائرة الأزمات الكبرى التي ألمت بكوكب الأرض خلال العقود الأخيرة؛ وبات ذائعا الآن أن يؤرخ لها من أول العام رغم أن اكتشاف المرض بدأ قبل ذلك بشهر أو شهرين، والحقيقة هي أنه لا أحد يعلم حتى الآن على وجه التحديد.
الربع الأول من الأزمة بدأ في الأول من يناير، وانتهى في نهاية مارس وفيه ظهر أن الأزمة مركبة فهي صحية تهدد حياة الانسان؛ وهي اقتصادية لأن جزءا من علاجها سحب الجماهير، أو بعضها من دوائر العمل والإنتاج، مع غلق وعزل مناطق ووسائل مواصلات؛ وهي اجتماعية لأنها أثرت سلبا على قطاعات واسعة من المواطنين انخفض دخلهم أو انعدم بالبطالة؛ وهي غامضة لأن علماء الكون لم يعرفوا كنه الفيروس الذي راح يحصد الأرواح؛ والأزمة باتت عالمية، فشمال العالم وبالذات في الصين وأوروبا وشمال أمريكا كانوا أول المصابين؛ وبعدها باتت ٢٠٥ دول وكيان سياسي مصابة بالمرض.
الربع الثاني بدأ من أول إبريل واستمر حتى نهاية شهر يونيو، وقد بلغت أزمة الكورونا أو "كوفيد-١٩" ذروتها في العديد من دول العالم، ومن ثم أخذت هذه الدول في إعداد العدة لمرحلة ما بعد الوباء والعودة إلى الحياة "الطبيعية".
ولم تكن دول العالم متطابقة من حيث مراحل العدوى ما بين النقطة "صفر" التي تم عندها اكتشاف أول المصابين بالمرض؛ ونقطة الذروة التي يتوافق كثير من الخبراء على أنها اللحظة التي يبدأ عندها منحنى صعود وانتشار الفيروس في التباطؤ والانحسار. في هذه المرحلة ظلت "أزمة الكورونا" حاكمة للسلوكيات العامة في الدول والعلاقات الدولية؛ وكل ما لا يؤثر مباشرة مع مواجهة الفيروس التاجي كان إما مؤجلا أو لم يلقَ الاهتمام الكافي. وكانت "الظروف الاقتصادية" ضاغطة على كل دول العالم، بكل ما ترتب على البلاء من تكاليف، تلاها مزيد من العجز في الموازنات العامة، وتزايد معدلات البطالة إلى آخر القائمة السلبية.
ولذا فإن هذه الدول أخذت تتلمس طريقها للانتقال من الحالة الاستثنائية للأزمة إلى استعادة دورات الإنتاج والتطور والحياة المعتادة، بعد أن تركت الأزمة آثارها وندوبها وبصماتها على برامج وأولويات المجتمعات لكي تصل في النهاية إلى ما يسمى "العادي الجديد" أو The New Normal. واستند مفهوم العودة للحياة الطبيعية عالميا إلى التجربة العالمية التي باتت غنية، والتي أخذت خطوات واسعة في تايوان وكوريا الجنوبية وفيتنام وهونج كونج والسويد، والتي جعلت من شهر مايو فترة البداية في دول أوروبية مثل ألمانيا وسويسرا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا.
ولم تكن صدفة أن استقرت معظم دول العالم خلال الربع الثاني على ثلاثة أمور: أن أزمة الفيروس مستمرة لبعض الوقت؛ أنه بات ضروريا التعايش معه لفترة قادمة؛ وأن جزءا هاما من هذا التعايش سوف يكون الاستعداد لعودة الحياة الطبيعية بكل ما يترتب على ذلك من نتائج.
جائحة "الكورونا" أو الفيروس التاجي تقع في دائرة الأزمات الكبرى التي ألمت بكوكب الأرض خلال العقود الأخيرة؛ وبات ذائعا الآن أن يؤرخ لها من أول العام رغم أن اكتشاف المرض بدأ قبل ذلك بشهر أو شهرين.
الربع الثالث بدأ مع الأول من يوليو الجاري حينما عادت غالبية دول العالم إلى حالة "المعتاد الجديد" أو العودة إلى الحياة الطبيعية المشروطة بدرجة عالية من الاحتراز والاحتياط والمراقبة لوباء الكورونا.
حدث ذلك فيما عدا استثناءات من الدول التي أصيبت بالبلاء متأخرة مثل البرازيل والهند، واستمرار مظاهر الجائحة في الأرقام العالمية للإصابات والوفيات، وأكثر من ذلك أن منظمة الصحة العالمية أخذت موقفا محافظا من عودة العالم إلى ما كان عليه في أول العام.
أكثر الحالات عجبا واستثناء في هذا الربع هو حالة الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت قبل الأزمة تمثل الدولة العظمى الوحيدة في العالم، ولكنها لم تتخبط فقط في بداية الأزمة كما فعلت معظم دول العالم، وإنما ظلت حتى الربع الثالث في حالة التخبط هذه مع زيادة في استحكام الأزمة.
فمن ناحية وصل عدد المصابين الجدد بالفيروس إلى ٦٠ ألفاً يوميا، وتعدت الوفيات ١٣٣ ألفا وإجمالي الإصابات في العاشر من يوليو ٣.١ مليونا؛ ومن ناحية أخرى دخلت ولايات جديدة إلى دائرة الولايات المصابة بشدة بالفيروس منها فلوريدا وتكساس وأريزونا وألباما وأركانساس، وعاد الفيروس إلى قسوته مرة أخرى في كاليفورنيا؛ ومن ناحية ثالثة أنه لم يعد هناك شك أن الأمريكيين من أصول أفريقية، والملونون بصفة عامة، قد تحملوا العبء الأكبر من الجائحة، ومنهم كانت النسبة الأكبر من الإصابة والوفيات والثمن الاقتصادي للوباء.
ومن ناحية رابعة أن كارثة الكورونا لم تعد في الولايات المتحدة واحدة من كوارث الطبيعة التي لم يتوقعها أحد، وإنما باتت كارثة سياسية في المقام الأول ويقع في مركزها الإدارة الجمهورية الحالية للرئيس دونالد ترامب.
ولكن الربع الثالث سوف يظل يُذكر تاريخيا بأنه الربع الذي بدأت فيه بوادر الانتعاش الاقتصادي في الظهور عندما بدأت معدلات النمو في العودة مرة أخرى إلى نموها، وأخذت البورصات العالمية في استرجاع بعضٍ من خسائرها، وعادت أرقام التشغيل والعمالة إلى الارتفاع مرة أخرى.
ورغم كل الأرقام الكارثية للأزمة في الولايات المتحدة فإن أرقام العمل لشهري مايو ويونيو أفادت بعودة ٧ ملايين عامل إلى العمل مرة أخرى؛ ووفقا لهذا المعدل فربما تكون أرقام الربع الثالث ليست فارقة فقط من ناحية التشغيل، وإنما أيضا في كيفية نظر الأمريكيين إلى الانتخابات الرئاسية المقبلة.
والمرجح أن الربع الثالث سوف يشهد ارتفاعا إضافيا في أسعار النفط والغاز بعد أن وصل إلى نقطة متوازنة في نهاية الربع السابق نتيجة زيادة الطلب في سوق النفط العالمية. ولكن النقطة الرئيسية في هذا الربع سوف تظل متعلقة بمدى التقدم في بحوث اللقاح والدواء الخاص بالفيروس، حيث تبدأ بالفعل التجارب ما بعد السريرية والتي تجري تجربتها على عينات واسعة بالآلاف من المرضى، وهو ما بات مقررا البدء فيه مع شهر يوليو ويستمر خلال شهري أغسطس وسبتمبر من قبل ثمانية أنواع من اللقاحات التي برزت من بين ١٤٠ محاولة جرت في العديد من دول العالم. الوصول إلى نجاح خلال الربع الجاري يجعل من التنبؤات التي ذكرت قبل ذلك في الربع الثالث أكثر واقعية من أي وقت مضى، ويجعل إنتاج لقاح يمنع المرض ممكنا قبل نهاية العام، ويصل إلى بقية العالم مع الربع الأول من العام ٢٠٢١. والحقيقة أن سير الأمور بهذا الشكل ابتداء من الربع الثالث، سوف يحيل أزمة الكورونا تدريجيا إلى ذاكرة التاريخ مثله في ذلك مثل الإيبولا والإيدز وعشرات من الميكروبات والفيروسات التي انتصر عليها الإنسان. هذه المرة ربما تصور الإنسان أنه يستطيع الانتصار بسرعة نتيجة التقدم العلمي والتكنولوجي؛ ولكن عاما من المواجهة ربما لن يكون طويلاً في حسابات التاريخ.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة