منذ خمسينيات وستينيات القرن الماضي كانت المنطقة العربية تمر بمنعطفات تاريخية مفصلية.
فمع ظروف استعمار العالم العربي آنذاك، كان الإرهاق سمة من سمات المرحلة أصابت جميع البلدان، وكنتيجة مُلحة تلبي الحاجة الفطرية إلى البقاء ظهرت حركات وحدوية عديدة كان مآلها عدم الاستمرار، وذلك نتيجة تحديات كثيرة مرت بالمنطقة، منها ما هو اقتصادي ومنها ما هو سياسي وديموغرافي، إلا كيانا وحدويا وحيدا ظل شامخا وباقيا رغم حرارة المرحلة تاريخيا، مدفوعاً بنية صادقة وحكمة بالغة ممن وثقوا بقوة الاتحاد وضرورته.. لذا تم قيام اتحاد دولة الإمارات في الثاني من ديسمبر عام 1971 ليظل صُلباً حتى اليوم بإصرار وقوة شخصية يندر وجودها اليوم، وهو الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه.
نجح اتحاد الإمارات منذ قيامه مدفوعاً بعوامل عدة، منها الوعي الذي تشكّل آنذاك مع توافر التعليم منذ خمسينيات القرن العشرين، فجرى لم الشمل، فيما أفاضت الطبيعة بثرواتها التي أحسنت دولة الإمارات استثمارها، بل وتجاوز عصرها بتنوع اقتصادي مزدهر لمختلف المشاريع التنموية، فقد أدركت القيادة الحكيمة ضرورة التحديث، فانطلقت دولة الإمارات نحو سياسة التنويع الاقتصادي وكثفت الخطط والاستراتيجيات لتحقيق ذلك، حتى نجحت في تحويل كل الأزمات إلى فرص عبر هذه السياسة، فأضحت الدولة راسخة متطلعة لمستقبل تستحقه ويستحقه شعبها القادر على تحويل الخطط إلى منجز مرئي، ترعاه إدارة حكم رشيدة.
لقد فنّدت تجربة دولة الإمارات بكل ما حققته عالمياً الزعم القائل: "لولا البترول لما نجحت دول الخليج".. إذ يؤكد الناتج المحلي الإجمالي اليوم للدولة، والذي يعد ترمومتر الأداء الاقتصادي، حقيقة سيطرة القطاع غير النفطي على الاقتصاد الوطني بنسبة تتجاوز 70%، ليكون اقتصادنا واحداً من أكثر اقتصادات المنطقة والعالم تنوعاً ونمواً، ونستذكر هنا مقولة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة: "سنحتفل بتصدير آخر برميل نفط".. فلا مشكلة هنا ولا فرص ضائعة.. بل كل شيء يسير وفق خطط طولية الأجل تضمن المستقبل وتحمي الوطن وترسم له الغد مشرقا ومتمتعا بالرخاء بكل أشكاله.
هذا الأمر تؤكده لغة الأرقام، فقد بلغت قيمة تجارة الإمارات الخارجية من سلع غير نفطية 1.403 تريليون درهم خلال 2020، بينما ارتفعت صادرات الإمارات غير النفطية خلال العام نفسه بنسبة 10.1% مقارنة بعام 2019.. هذا بالطبع في ظل جائحة كورونا، التي عصفت باقتصادات كبرى في العالم، ما يؤكد التنوع الاقتصادي للإمارات الذي يدفع الدولة إلى مكانة متقدمة في صف الدول الكبرى المؤثرة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة