على ما يبدو أن الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن، والمقرر أن يستلم مهامه رسمياً في البيت الأبيض خلال أيام.
لن يتهاون بالفعل مع سياسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الفترة المقبلة، إذ قام في مطلع الأسبوع الحالي بتعيين دبلوماسي غير مرغوب لدى الجانب التركي، كمستشارٍ في مجلس الأمن القومي لشؤون منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهو ما يغضب أنقرة بالتأكيد وينذرها بمرحلة صعبة ستعيشها خلال العام الجديد.
والدبلوماسي الذي يخيف وجوده في هذا المنصب تركيا ورئيسها، هو بريت ماكغورك الذي كان يشغل منصب المبعوث الرئاسي الخاص لدى التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن ضد تنظيم داعش الإرهابي. وكان قد تخلى عن مهامه في التحالف في شهر أكتوبر/تشرين الأول من عام 2019، احتجاجاً على صمت بلاده على الهجوم التركي واسع النطاق على مدنٍ سورية كانت تخضع حينها لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، كما أنه تقلّد عدّة مناصب مشابهة ليس في إدارة الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب وحده، وإنما في إدارتي الرئيس السابق باراك أوباما وكذلك سلفه جورج بوش.
ومن هنا يمكن اعتبار اختيار الرئيس المنتخب لبريت ماكغورك ليشغل هذا المنصب، رسالة تهديد مباشرة إلى أردوغان وبلاده، إذا ما أُخذ بعين الاعتبار أن التعاطف الذي أبداه الدبلوماسي الأمريكي مع حلفاء واشنطن المحليين في سوريا عند هجوم الجيش التركي على مواقعهم قبل أكثر من عامٍ في شمال شرق سوريا، يشكّل سبباً رئيسياً بالنسبة لأنقرة لمعاداته ورفض وجوده في هذه الوظيفة الحسّاسة، لا سيما أنها تدرك تماماً أن تعيين بايدن لماكغورك يحمل في مضمونه تحديا واضحا للرئيس التركي.
وما يخيف الإدارة التركية أيضاً من وجود ماكغورك في هذا المنصب هو علاقاته الجيدة التي يتمتع بها مع قيادات قوات سوريا الديمقراطية، إلى جانب رفضه للهجمات العسكرية للجيش التركي على الأراضي السورية، إضافة إلى توجيهه اتهاماتٍ متكررة لأنقرة بتسهيل مرور المقاتلين الأجانب من أراضيها بغرض الالتحاق بتنظيم داعش في سوريا والعراق، علاوة على انتقاداته لأردوغان شخصياً. وهذه كلها تشكل جملة أسباب مؤشرات لاندلاع توترٍ محتمل في العلاقات الأمريكية - التركية في المدى القريب.
وقد تمثّلت أولى مؤشرات التوتر المرتقب بين واشنطن وأنقرة، بهجوم وسائل الإعلام التركية الحكومية على الدبلوماسي الأمريكي، لإظهار عدم رضا أنقرة عن وجوده في منصبه الجديد، ولكن بكل تأكيد لن يؤثر هذا التحريض على مهامه، مثلما لا يمكن لأنقرة التحكم بالأشخاص الذين يعينهم الرئيس بايدن في مناصبهم، الأمر الذي يعني المزيد من المخاوف التركية حيال الآخرين الذين قد يوكلهم بايدن بمهام مشابهة لتلك التي أسندها لماكغورك.
وفي كل الحالات، تعيين ماكغورك مستشارا للأمن القومي الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يعني عدم تخلي بايدن عن تعهده السابق حيال تحرّكاته ضد ما وصفها حينها بديكتاتورية الرئيس التركي حال وصوله إلى السلطة، ولذلك ليس من المستبعد أن تسوء العلاقات بين واشنطن وأنقرة في المرحلة المقبلة، خاصة أن بايدن قام بتعيين ماكغورك، رغم أن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو كان قد اتهمه سابقاً بدعم حزب العمال الكردستاني، وأنه يعمل ضد مصالح أنقرة، وهذا يعني أن الرئيس الأمريكي الجديد لا يبالي بغضبها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة