للمواطنة مفاهيم كثيرة ومتعددة، ولعل أغلبها يتلخص في مدى انتماء الفرد لوطنه ظاهراً وباطناً.
كما تتنوع مظاهر المواطنة من مجتمع إلى آخر وتتمايز من بيئة إلى أخرى، فيرى البعض أن الالتزام بالزي الوطني أو الأناشيد الوطنية أو غيرهما من شعارات وطنية هو المعنى الحقيقي للمواطنة فقط، نعم، ذلك مواطنة ولكنه ليس كافيا ليكون مواطنة متكاملة، حيث إن مفهوم المواطنة في الحقيقة يتعدى كل ذلك ليصل إلى الوجدان والمشاعر والأحاسيس التي تظهر بطريقة مباشرة وغير مباشرة في سلوكياتنا وأخلاقياتنا تجاه أنفسنا وغيرنا وتجاه وطننا الذي ننتمي إليه سواء بحضورنا الشخصي أو عبر التقنيات الحديثة والبرامج الرقمية.
الشخصية الرقمية
اليوم ومع تطور العالم في مختلف المجالات وبروز الانفتاح التكنولوجي وظهور البرامج الرقمية وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة واتساع نطاقها وسهولة متناولها لدى الجميع، بدأت تتضح جلياً أهمية المواطنة وأبعادها وآثارها، حيث يعد المواطن مرآة لوطنه يعكس من خلالها قيمه وعاداته وتقاليده، لذلك أصبح مسؤولا أمام الجميع بما يقول وما يفعل، والجميع يمثل الوطن من خلال شخصيته الرقمية التي يصنعها بنفسه من خلال سلوكياته ومشاركاته وثقافاته التي يجوب بها أنحاء الكرة الأرضية ويتواصل بها مع الآخرين من شرقها إلى غربها بكل سلاسة وسهولة وبطريقة مرصودة وموثقة كأنها سيرة ذاتية لهذا الشخص.
السيرة الذاتية الإلكترونية
هناك شخصيات وسلوكيات إيجابية ومحفزة في مختلف المجالات، أظهرتها لنا وسائل التكنولوجيا الحديثة لم نكن نسمع عنها أو نراها سابقاً، بل لم تكن ضمن الشخصيات المتعارف عليها والتي اعتدنا ظهورها.
وعلى العكس تماماً، رأينا آخرين عبر هذه التكنولوجيا متناقضين مع ذاتهم ومع شخصياتهم التي حاولوا صناعتها، لا بل هناك شخصيات تمنى المرء لو أن لم يعرفها عبر هذا العالم الافتراضي لما لها من ظهور سلبي لا يسهم في خدمة ولا منفعة مجتمعية أو وطنية، بل يغذي بها ضعاف الأنفس وعديمي الشخصية بما هو تافه وشائن ويقودهم لسلوكيات ليست لهم فيها لا ناقة ولا جمل.
اليوم وعبر شبكة الإنترنت، يسهل على أي شخص الاطلاع على حياة الآخرين وأفكارهم وتوجهاتهم وهواياتهم وجميع تفاصيل حياتهم من مناسبات ومأكل ومشرب وتنقل وغيرها، حيث تعد خاصية متميزة عندما يحسن المرء استخدامها فإنها أيضاً قد تكون خطيرة عندما يساء استخدامها.
اليوم كل فرد منا يسهم في صنع "شخصيته الرقمية" و"سيرته الذاتية الإلكترونية" عبر عالم تكنولوجي واسع النطاق وغير محدود الزمان، نكتب من خلالها تاريخنا وحياتنا وماضينا وحاضرنا ومستقبلنا، سيطلع عليها أبناؤنا وأحفادنا، منهم من سيكونون فخورين ومنهم من سيتمنون لو يرجع بهم الزمان ليصححوا ما لا يمكن تصحيحه.
عيال زايد
ولو رجعنا لوقت ليس ببعيد ونسترجع فيه المقولة الشهيرة لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، عام 2016، عندما قال: "الكل يقول نحن أولاد الشيخ زايد، لكن هذه الجملة أرجو أن تقال في المكان الصح وفي الزمان الصح وللعمل الصح". قيادتنا الرشيدة تلهمنا بما عشناه في ماضينا وسنعيشه في مستقبلنا من خلال ربط الماضي بالمستقبل، وتشجعنا على مواكبة التطورات والتقنيات، ولكن وفق منهج إماراتي أصيل رسمه لنا مؤسس الدولة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، وسار على نهجه قادتنا بخطى واضحة، نواصل فيه تعلمنا وتطورنا وتقدمنا ولكن لا نتخلى فيه عن عاداتنا وتقاليدنا الإماراتية ولا نضحي بثقافتنا العربية والإسلامية، بل نعمل على تسخير التكنولوجيا الحديثة لرقي مجتمعنا وخدمة وطننا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة