النظام الإيراني يستخدم الأوباش والبلطجية للهجوم على منازل المنتقدين الدينيين والسياسيين، والسفارات، والمراكز العلمية والفنية، تحت شعار حماية الثورة ومبادئها
من المعروف أن اسم النظام الإيراني الحالي قد اقترن بسياسة التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، خاصة دول الجوار العربي، ودعم الإرهاب وإثارة الصراعات الطائفية ودعم الميليشيات والجماعات المسلحة في المنطقة. لكن ربما لا يعرف كثيرون أن نظام ولاية الفقيه قد اعتمد أيضا على سياسات وأدوات مشابهة، وإن كانت مختلفة نسبيا، في تعاطيه مع الاعتراضات السياسية والعرقية والاجتماعية في الداخل الإيراني. ولعل أبرز أدوات النظام الإيراني لتحقيق أهدافه ووأد أي اعتراضات اعتماده على ما يعرف في الداخل الإيراني باسم "الأراذل والأوباش" أو ما يمكن أن نسميه "البلطجية".
تاريخيا، تعود جذور البلطجية إلى مرحلة تأسيس الدولة الصفوية (1501-1750)، حيث بدأت ظاهرة "البلطجة" بالظهور، ومن أمثلة ذلك ما قام به إسماعيل الصفوي من تجييش لبعض البلطجية الطائفيين المعروفين آنذاك باسم "التبرائيين" ضد السنة، فقد كانوا ينطلقون في شوارع المدن ويلعنون الخلفاء الراشدين الثلاثة الأول (أبوبكر وعثمان وعمر)، ويقتلون كل من لا يلعنهم، وأصبحت هذه الفئة أداة قتل وقمع وإرهاب للناس، وتحويل إيران من دولة سنية إلى شيعية.
هذه الظاهرة برزت جليا في إيران بعد ثورة 1979. ومؤخرا صدر في إيران كتاب بعنوان "سيرة الفتوة"، حيث يتطرق لقصص الفتوات والبلطجية المشهورين في إيران، لكن العجيب في الأمر أن هذا الكتاب عمل على تلميع هذه الفئة وتقديمها كرموز للمروءة والشهامة وحسن الخلق، بينما حذّر سياسيون إيرانيون من بينهم مهدي كروبي، أحد رموز "الحركة الخضراء"، بأن النظام يلجأ إلى القوى المخربة من البلطجية، ومؤكدا على أن النظام الحالي يستخدم الأوباش والبلطجية للهجوم على منازل العلماء المراجع، والمنتقدين الدينيين والسياسيين، والسفارات، والمراكز العلمية والفنية، تحت شعار حماية الثورة ومبادئها!
إن المتابع لظاهرة البلطجة في إيران يدرك أنها تضاعفت بشكل هستيري في الآونة الأخيرة في مدن كثيرة، وبخاصة مدن الأقليات العرقية. ومن الواضح أن المسؤولين الإيرانيين يلجؤون للبلطجية عند حاجتهم في القيام بالأعمال التي لا يرغبون في إقحام أنفسهم من خلالها بشكل مباشر، ومن أمثلة ذلك قيام الحكومة الإيرانية بإقحام مجموعة من البلطجية في الجامعات من أجل قمع الاحتجاجات الطلابية والأشخاص المعارضين والمنتقدين للنظام، وقد تم استخدام هؤلاء البلطجية في أحداث جامعة طهران وتبريز في عام 1999.
وإذا ما عدنا إلى الصور والفيديوهات التي تم التقاطها خلال قمع المعترضين على نتائج الانتخابات الرئاسية عام 2009 نجد أن أعمال القمع تمت في الغالب على يد أشخاص يرتدون ملابس مدنية، وهؤلاء يتشكلون من قوات الباسيج (التعبئة) والبلطجية. وقد شاهد الجميع عمليات دهس الشباب في شوارع طهران وغيرها، وإلقاء آخرين من أعلى الجسور، وكذلك استخدامهم للقبضات الحديدية والعصي والهراوات.
ومن العمليات التي يقوم بها البلطجية في إيران ما نشرته بعض وسائل الإعلام حول حادثة وقعت في مايو الماضي، لباعة متجولين تعرضوا لهجوم من قبل أشخاص يرتدون الملابس المدنية يرافقون أحد الضباط، حيث انهالوا على هؤلاء الشباب ضربا بالعصي، وتؤكد التحقيقات على أن هؤلاء البلطجية تم تكليفهم من قبل البلدية للقيام بالأعمال التي لا يرغب المديرون القيام بها بشكل مباشر.
من هنا يمكننا القول بأن هناك عدة أسباب للجوء المسؤولين الإيرانيين للبلطجية، من أهمها وجود علاقات قديمة بين هذه الفئة والعديد من المسؤولين، خاصة أولئك الذين يتولون أعمال حفظ الأمن والمنتسبين إلى المؤسسات العسكرية والأمنية مثل "الباسيج" والحرس الثوري وغيرهما، وبالتالي يمكنهم بسهولة الوصول إليهم عند الحاجة، ومن الأسباب أيضا اعتبار بعض المسؤولين الإيرانيين أن العنف هو الحل الأمثل للتعامل مع كل من يحاول التغريد خارج سرب ولاية الفقيه، كذلك إظهار أعمال القمع على أنها ظاهرة مجتمعية غير مسيسة؛ فطالما سعت الحكومة الإيرانية إلى إلقاء مسؤولية أعمال الشغب والعنف على عاتق الشعب أو بعض فئاته والتملص من تحمل مسؤولية تلك الأفعال.
لذا، فإن تغير السلوك العدائي الراهن للنظام الإيراني سوف ينعكس -إذا ما حدث- على الصعيدين الداخلي والخارجي، وكما تعاني دول المنطقة من هذه التوجهات العدائية فإن شرائح كثيرة من المجتمع الإيراني تعاني أيضا من ذلك، وكما يقال: "وظلم ذوي القربى أشدد مضاضة". ولكن السؤال الأبرز هنا: كيف ومتى يتغير سلوك النظام الحاكم في طهران؟
*نقلا عن جريدة "الوطن أون لاين"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة