لماذا حان الوقت لإعادة النظر في إنشاء جيش أوروبي؟

مع استمرار الأزمات الأمنية العالمية، من أوكرانيا إلى الشرق الأوسط، تزداد التساؤلات حول قدرة أوروبا على حماية نفسها دون الاعتماد على الولايات المتحدة. فقد بات واضحًا أن الضمانات الأمريكية لم تعد ثابتة، ما يجعل إنشاء جيش أوروبي مشترك ضرورة استراتيجية، وليس
برزت هذه الفكرة منذ الحرب الباردة، لكنها فقدت زخمها تحت وطأة المعارضة الأمريكية والالتزام بحلف الناتو.
واليوم، ومع تصاعد التحديات الأمنية وتراجع الالتزام الأمريكي، تجد أوروبا نفسها أمام اختبار حاسم: إما بناء قوة دفاعية مستقلة أو البقاء رهينة للقرارات الأمريكية.
ثم عادت فكرة الجيش الأوروبي المشترك في التسعينيات مع تشكيل الاتحاد الأوروبي، لكنها فقدت الزخم بسبب معارضة الولايات المتحدة والتزامها بحلف الناتو.
وعلى الرغم من منطقية الفكرة من حيث المبدأ، إلا أنها لم تكن تُعتبر عملية. واليوم، ومع تراجع الضمانات الأمنية الأمريكية، تعود الفكرة إلى الواجهة كخيار وجودي لأوروبا في عالم متقلب.
إرث التشرذم: لماذا فشلت أوروبا عسكرياً؟
على مدار العقود الماضية، اعتمدت أوروبا بشكل كبير على الولايات المتحدة في حماية أمنها، سواء عبر المظلة النووية الأمريكية أو من خلال الناتو، الذي ظل ركيزة الدفاع الأساسية للقارة.
إلا أن هذا الاعتماد المفرط أصبح يشكل نقطة ضعف استراتيجية، خاصة في ظل التحولات الجيوسياسية الأخيرة.
ووفقًا للتقرير، تعاني القارة العجوز من «تشرذم دفاعي» تاريخي؛ فأوروبا على الورق تضم ما يقرب من مليوني فرد في الزي العسكري، وتنفق نحو 338 مليار دولار سنوياً على الدفاع.
وقد صُمِّمت هذه الجيوش لخدمة المصالح الوطنية الضيقة، لا للدفاع عن الكتلة ككل. وحتى حلف الناتو – الذي هيمنت عليه واشنطن – لم يُنهِ هذا التشتت، بل عزّزه عبر جعل أوروبا تابعة لقيادة أمريكية.
الخطوات العاجلة لمواجهة التهديدات الأمنية
في المدى القصير، يتعين على أوروبا معالجة أوجه القصور الرئيسية في قدراتها العسكرية. هناك حاجة إلى زيادة إنتاج الذخائر بشكل عاجل، بالإضافة إلى تحسين قدرة الجيوش الأوروبية على العمل المشترك. وقد يتطلب ذلك حلولًا مؤقتة، مثل توحيد التدريب وتنسيق العمليات المشتركة بين الجيوش الوطنية.
تطوير قوة أوروبية مشتركة
على المدى الطويل، يجب أن تعمل أوروبا على إنشاء قوة دفاعية أوروبية مشتركة قادرة على القتال والتصدي لأي تهديدات خارجية. ولكن، بدلاً من إنشاء جيش أوروبي موحّد بالكامل، من المحتمل أن يكون الحل هو تشكيل قوة هجينة تتألف من العناصر التالية:
الجيوش الوطنية الكبرى كركيزة أساسية
ستظل الجيوش الوطنية الكبرى، مثل جيوش فرنسا وألمانيا وبولندا والمملكة المتحدة (إن اختارت المشاركة)، بالإضافة إلى دول البلطيق وفنلندا، بمثابة العمود الفقري للدفاع الأوروبي. لكن الهدف يجب أن يكون تحقيق تكامل أكبر بين هذه الجيوش من خلال توحيد المعدات والتدريبات العسكرية.
إنشاء قوة أوروبية دائمة
يجب على الاتحاد الأوروبي إنشاء قوة مشتركة لا تتبع أي دولة بعينها، بل تخضع للإدارة الأوروبية الجماعية. يمكن أن تكون هذه القوة شبيهة بالقوة السريعة التي اتفق عليها توني بلير وجاك شيراك عام 1998، ولكن مع تركيزها على الدفاع عن أوروبا بدلاً من التدخلات الخارجية.
يجب أن تكون هذه القوة دائمة، وليست مجرد وحدات يتم تناوبها بين الدول. يمكن للاتحاد الأوروبي تجنيد أفراد من جميع أنحاء القارة، وتقديم رواتب جذابة لجذب الشباب من المناطق الأقل نموًا، وربما حتى منح الجنسية الأوروبية للمجندين من الدول المرشحة للانضمام، مثل دول البلقان.
إعادة هيكلة الجيوش الصغيرة
تمتلك العديد من الدول الأوروبية جيوشًا صغيرة ذات قدرة محدودة على القتال الفعلي. لذا، يجب تشجيع هذه الدول على دمج قواتها في القوة الأوروبية المشتركة بدلاً من الإنفاق على جيوش وطنية منفصلة.
ويمكن تحفيزها من خلال تقديم تمويل أوروبي مشترك لدعم القوة الأوروبية، بدلاً من فرض إنفاق عسكري وطني مرتفع عليها.
إنشاء قيادة عسكرية أوروبية موحدة
يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى قيادة عسكرية موحدة يمكنها تنسيق العمليات بين القوات الأوروبية المختلفة. يمكن أن يكون مقر هذه القيادة ضمن هيكل الاتحاد الأوروبي الحالي، على أن يتم دمجها تدريجيًا مع قيادة الناتو لضمان عدم ازدواجية الجهود.
تطوير القدرات الدفاعية المشتركة
يجب على الاتحاد الأوروبي إنشاء أنظمة موحدة للنقل العسكري، والتزود بالوقود جوًا، والاستخبارات، والقيادة والسيطرة، بدلاً من الاعتماد على الولايات المتحدة في هذه المجالات. ويمكن تمويل هذه القدرات بشكل مشترك عبر ميزانية دفاعية موحدة.
التحديات والعقبات المحتملة
رغم الفوائد الواضحة لإنشاء قوة دفاع أوروبية مشتركة، إلا أن هناك العديد من التحديات السياسية والإدارية التي يجب التغلب عليها، من بينها:
من سيتحكم في هذه القوة؟
قد لا يكون رئيس المفوضية الأوروبية أو رئيس المجلس الأوروبي مناسبًا ليكون القائد الأعلى لهذه القوات. لكن بما أن هذه القوة مخصصة للدفاع عن أوروبا فقط وليس للانتشار الخارجي، يمكن وضعها تحت إشراف المجلس الأوروبي، كما هو الحال مع قوات الاتحاد الأوروبي الحالية لحفظ السلام.
يضاف إلى ذلك المعضلة الألمانية، حيث يمنع دستور ألمانيا نشر جيشها خارجياً إلا في إطار الناتو.
هل يتطلب الأمر تغيير معاهدة الاتحاد الأوروبي؟
من المحتمل ألا يكون هناك حاجة لتعديل المعاهدة، لأن المعاهدة الحالية لا تمنع تشكيل قوة دفاع أوروبية. يمكن استخدام الأسس القانونية نفسها التي تم إنشاء وكالة الحدود الأوروبية «فرونتكس» بموجبها.
ما موقف الدول المحايدة؟
بعض الدول، مثل أيرلندا والنمسا ومالطا، تعتبر نفسها محايدة، لكن يمكن إيجاد حلول لهذه الدول، مثل منحها خيار التمويل بدلاً من المشاركة المباشرة في العمليات العسكرية.
وخلص التقرير إلى أن المسألة لم تعد اختيارًا بين «الاستقلال العسكري» أو «التبعية لأمريكا»، بل بين «البقاء» أو «الاندثار» في نظام عالمي جديد تهيمن عليه القوى العظمى. وربما تكون الأزمة الأوكرانية هي الصدمة التي تنتظرها بروكسل لتحويل الكارثة إلى فرصة.
aXA6IDE4LjE4OS4xNC4yNTEg جزيرة ام اند امز