أسابيع قليلة بقيت على دخول الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب البيت الأبيض. ومنذ ظهور نتائج الانتخابات الرئاسية، لم تتوقف التحليلات والتكهنات بالسياسة الخارجية التي سيتبعها
أسابيع قليلة بقيت على دخول الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب البيت الأبيض. ومنذ ظهور نتائج الانتخابات الرئاسية، لم تتوقف التحليلات والتكهنات بالسياسة الخارجية التي سيتبعها الرئيس الجديد، وكان لموقفه من القضية الفلسطينية جزء من تلك التحليلات والتكهنات. لكن الأهم في ذلك تطوع بعض «الخبراء» في القضية بتقديم النصح للرئيس الجديد، وكان أبرز «الناصحين» له الدبلوماسي الأمريكي المخضرم، الصهيوني الغني عن التعريف دينيس روس.
وفي حملته الانتخابية، أدلى دونالد ترامب بتصريحات متناقضة حول القضية الفلسطينية وما يسمى «صراع الشرق الأوسط»، ما فتح الباب واسعاً للتقديرات والتكهنات بشأنهما. فهناك من رأى أن التصريحات في حملة انتخابية لا يؤخذ بها، وقد تتغير وتتبدل عندما يصبح المرشح للرئاسة رئيساً في السلطة. وهناك من رأى أن سياسة ترامب الخارجية ستعتمد على معاونيه ومستشاريه والمقربين منه، وبالتالي على من سيختارهم للإدارة. وانتهت إحدى الأوراق التحليلية، مثلاً، إلى أن ترامب سيلجأ إلى إحدى طريقتين في تعامله مع القضية الفلسطينية: إما النأي بالنفس، أو زيادة دعم «إسرائيل»! أما القيادة «الإسرائيلية» نفسها، فهي إذ بدأت العمل لكسب ترامب إلى جانب سياساتها، ما زالت تتوجس خيفة من الطريق التي سيسلكها ترامب عندما يباشر سلطاته.
وأما السلطة الفلسطينية، فهي إذ تصر على مواصلة سياستها من حيث اعتمادها أسلوب المفاوضات، والاعتماد على «الشرعية الدولية» و«المجتمع الدولي»، فليس لديها خيار سوى اتباع الطريقة التي اتبعتها منذ توقيع «اتفاق أوسلو»، طريقة استرضاء البيت الأبيض واستجداء المساعدات الدولية، وكلاهما أثبت فشله!
في واحد من تصريحاته الانتخابية، أعلن ترامب أنه يطمح إلى صنع السلام في الشرق الأوسط، وقال: «أحب أن أكون الشخص الذي يصنع السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين»، وأضاف: «لدي سبب للاعتقاد أن في مقدوري القيام بذلك». وقبل الدخول إلى «نصائح» دينيس روس لترامب، لا بد من الإشارة إلى أن معظم الرؤساء الأمريكيين طمحوا لما يطمح إليه آخرهم، بدءاً من روزفلت وانتهاء بأوباما، وبعضهم قام ب«مبادرات» في هذا السبيل، وبعضهم نجح جزئياً (كارتر- كامب ديفيد، كلينتون- أوسلو). لكن الأهم قوله في هذا الإطار، هو أن أي رئيس أمريكي مخلص في طموحه، محايد صادق، قادر على رؤية العدل والحق ولو بصورة نسبية، يستطيع أن يحقق طموحه. ودائماً كان الطريق المؤدي إلى تحقيق هذا الطموح هو إجبار «إسرائيل» على الالتزام وتنفيذ القانون الدولي و«الشرعية الدولية». وهناك سوابق أظهرت هذه الإمكانية (أيزنهاور الذي أجبرها على الانسحاب من سيناء بعد العدوان الثلاثي، جورج بوش الأب الذي أجبرها على حضور مؤتمر مدريد).
والآن، بماذا نصح روس الرئيس ترامب؟
أول النصائح تقول: «كن مستعداً للتمسك بالدبلوماسية، وإن جاءت بتقدم تدريجي»! وثانيها تقول:«التحقق مما هو ممكن...»! أما النصيحة الثالثة فهي أن «صنع السلام لا ينحصر من أعلى لأسفل، بل يشمل أيضا الجهود من الأسفل للأعلى، وتحسين الاقتصاد الفلسطيني والبنى التحتية والبناء المؤسساتي...»! والنصيحة الرابعة «إعادة النظر بمقاربة ثنائية صارمة للمفاوضات الثنائية...»! والنصيحة الأخيرة «مقاربات جديدة ودور دولة عربية في تلبية الاحتياجات الفلسطينية...»!!
والسؤال: هل من جديد في «نصائح» روس، أم إعادة إنتاج للسياسة الأمريكية المنحازة ل«إسرائيل» التي زادت عن عشرين عاماً وأدت إلى ما صار معروفاً من فشل ذريع؟! الحقيقة أن نصائح روس تندرج في خانة «جهوده السلمية» التي لم تكن إلا في خدمة السياسات «الإسرائيلية» ومنحها الوقت اللازم لتنفيذ البرنامج الصهيوني بالكامل. فكل «نصائحه» كانت تنتهي بالفشل، لأنها تستهدف في الأساس «عدم الوصول إلى السلام الحقيقي» بل لملء الوقت والفراغ وإتاحة الوقت لتنفيذ البرنامج الصهيوني في فلسطين، يصدق ذلك على «التمسك بالدبلوماسية»، كما يصدق على «تحسين الاقتصاد الفلسطيني والبنى التحتية». لكن ما يفضح مقاصد روس ما جاء في نصيحته الخامسة والأخيرة التي تحدثت عن «دور دولة عربية لتلبية الاحتياجات الفلسطينية». في نصيحته هذه يتبنى، ويريد من ترامب أن يتبنى، ما يعلنه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو منذ مدة من أن «السلام يجب أن يكون مع العرب وليس مع الفلسطينيين»!!
إن تاريخ وسيرة دينيس روس معروفان للجميع، وإن لم يكن فريداً من نوعه فأمثاله كثر، إلا أنه لم يكن منتظراً من صهيوني مخلص مثله أن ينصح بغير ما نصح به. إنه كزميله نتنياهو، ليس واثقاً من السياسة التي سيتبعها ترامب، ويبدو أنه يرى في بعضها ما يجعله «يتوجس خيفة» منها، فيتطوع لتقديم «نصائحه»، ولعله يطمع أن يكون «مبعوثاً» لترامب فيواصل جهوده التي بذلها سنين طويلة في خدمة ««إسرائيل»» والمشروع الصهيوني وبرنامج تنفيذه!!
* نقلا عن صحيفة الخليج
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة