إن جميع الأزمات في لبنان وفلسطين واليمن والعراق وسوريا وليبيا وتونس مرتبطة بشكل وثيق بهم بالإضافة إلى دولة قطر
عندما بدأت أفكر في كتابة مقالٍ عن قمة بيروت الاقتصادية وإصرار الشيخ تميم أمير دولة قطر على الحضور وحيدًا شاذا عن كل الرؤساء والملوك العرب، خطر ببالي عدة عناوين للمقال منها: "ماذا يريد تميم من حضور قمة بيروت؟ قمة التعثر، قمة القاع، قمة الممانعين، قمة بلا كبار، قمة القفز على واقع لبنان"، ولكن الذي شدني أكثر ليكون عنوانا لمقالي هو "تكسي لندن وتكسي لبنان".
لقد أثبت نظام الحمدين وبعد حضور تميم لقمة بيروت أنهم يعاكسون السياسات ويخالفون التوجهات، إن حضر الزعماء غابوا، وإن غاب القادة حضروا، وإن اتفقت الدول خالفوها، وإن أجمعت على سياسة نقضوها، ذهب تميم وحيدًا لبيروت وعاد كذلك كحال نظامه
من خلال العناوين السابقة أرى أن كل عنوان يستحق مقالا منفصلا، ويستحق بحثا وتحريا وتقارير من كل كتاب العرب، فهذه القمة بالنسبة لي أرى أنها تمثل الواقع العربي بكل وضوح والحالة العربية الرسمية البائسة التي وصلت إلى أن تُعقد قمة بيروت الاقتصادية بلا رؤساء تقريباً، وواقع لبنان الذي يحاول القفز عليه والمرتبط بالخارج عبر متنفذين ومسؤولين وتابعين بالخارج أكثر من ارتباطهم بمصلحة لبنان، وواقع قطر التي لم ولن تكون سندا للعرب في يوما ما، وإنما هي تمثل دولة عميلة تزيد الخلافات العربية وتخدم الأجندات الأجنبية والتركية والإيرانية والإسرائيلية في المنطقة .
إن جميع الأزمات في لبنان وفلسطين واليمن والعراق وسوريا وليبيا وتونس مرتبطة بشكل وثيق بهم إضافة إلى دولة قطر، التي وُضعت أخيراً في زاوية ضيقة في إطار المقاطعة، التي نجحت في تغيير سياسة هذه الدول من السرية إلى التحالف العلني، ومن العمل السري والغدر والخيانة إلى العمل على المكشوف.
مخطئ من كان يراهن على نجاح قمة بيروت الاقتصادية، فغياب قادة العرب عن قمة بيروت أمر متوقع ما دام المتحكم في لبنان هو "حزب الله الإرهابي" الذي قدّم مصالح إيران على مصالح لبنان، وتصريحات وزير خارجيته تشهد بالتحكم الإيراني في القرار اللبناني، فلا دعم لمن جعل مصالح إيران فوق مصالح لبنان، وغياب الحكام العرب رسالة واضحة لبيروت بما أن حزب الله هو الحاكم لهذه البلاد بمليشياته الإيرانية .
نحن نحب لبنان ونرى أنه جزء مهم جداً وجزء لا يتجزأ من أمن وسلام الوطن العربي الكبير، نرجو لأهله الطيبين كل خير، لبنان بلد الثقافة ورجالها من خيرة الرجال، لكن حينما تسيطر المليشيات على القرار السياسي وجميع مفاصل الدولة، وحينما تكون المصلحة الحزبية هي الأساس، وحينما يكون الولاء الطائفي هو الأساس، وحينما يسعى الحزب إلى إلغاء الدولة الوطنية والمواطنة ويعلن تبعيته لدولة ذات فكر طائفي مقيت، يكون نتيجة ذلك كله هو غياب قادة العرب، لهذا على لبنان أن يعود إلى الحاضنة العربية والخروج من العباءة الإيرانية، لأن الافتقار للسيادة المطلقة يوهن كيان الدولة ويضعف قدرتها على استيعاب اقتصاد خارجي قوي ومتدفق، لهذا لن يستطيع لبنان أن ينهض .
لقد أثبت نظام الحمدين وبعد حضور تميم لقمة بيروت أنهم يعاكسون السياسات ويخالفون التوجهات، إن حضر الزعماء غابوا، وإن غاب القادة حضروا، وإن اتفقت الدول خالفوها وإن أجمعت على سياسة نقضوها، ذهب تميم وحيدًا لبيروت، وعاد كذلك كحال نظامه، لكن هل استفاد تميم بحضوره شيئا سوى أنه قام بعمل (عرض) إعلامي ومتاجرة هو معتادٌ عليها بقضايا العرب لا أكثر، وأن حضوره ما كان إلا لمناكفة جيرانه الخليجيين، ولدعم حزب الله لإرضاء إيران، وأنه كان عمليا مجرد مبعوث تركيا للقمة لتوحيد الروى مع المحور الإيراني في ظل استمرار المقاطعة .
يبدو لي أن تنظيم الحمدين يرى نفسه كحزب وليس كدولة لها كيانها، فتجدهم ينشطون مثل الأحزاب والتنظيمات في التسويق لأنفسهم، ولا غرابة في ذلك فمن يقودهم ويفكر لهم هم الإخوان المفلسون وحزب اللات، وتقودهم تركيا وتسوسهم إيران، فهم بلا هوية ولا سيادة .
قطر حاليا مدرسة في الكذب والقفز على الحقائق، وهي مثال حي للضحك على النفس وعلى شعبها، وما ظهور تكاسي لندن ثم نيويورك والهند وحاليا في لبنان إلا لتأكيد ذلك، لم أرَ كذبا في السياسة وفي التسويق وفي الإعلام وفي الفن كما رأيته في الأسلوب القطري من خلال حملات نظمت للتضامن معها مدفوعة الأجر، أو عبر إعلانات مدفوعة الثمن تدّعي قطر أن سائقي التكاسي والمواطنين تعاطفوا معها، لتستمر في التظلّم وادّعاء أنها محاصرَة لتحشد بعد ذلك إعلامها وقنواتها والمراسلين والطواقم الصحفية للتلاعب بمشاعر المشاهدين في العالم .
قطر حاولت استغلال كون القمة خالية من الرؤساء، لهذا حضر تميم لجلب الأضواء له بعد عزلته، والمثير للشفقة أكثر أنه استخدم التكاسي ليلمع صورته ويخلق لنفسه أجواء من الترحيب الوهمية، في ظل عدم القبول الشعبي لحضوره، وأنه مسير وليس مخيرا، ويريد أي منبر خارج قطر ليقدم نفسه .
ما حدث ويحدث يؤكد استمرار التخبط القطري كعادته في وضع نفسه في قمة التهريج السياسي، لكن هذه المرة أراد البحث عبر منقذ خارجي جديد من خلال التكاسي في لبنان، حيث أنفق أموالا طائلة على حملات دعائية هزيلة وتافهة تؤكد التهريج القطري والفشل الذريع في التحرك الدبلوماسي لخداع واستعطاف مشاعر المجتمع الدولي والعربي، وأنها مازالت تعيش في مرحلة مراهقة سياسية، ولا تستطيع التعامل مع الأحداث والأزمات بمسؤولية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة