يبدو أنه من المبكر الحديث عن طي صفحة الفساد لنظام الحمدين، لأنه في كل مرة تنكشف تفاصيل خطيرة حوله
أعتقد أن ملف الفساد -بكل أنواعه- لدى نظام الحمدين سيكون مرشحاً بقوة للبروز خلال العقود القليلة القادمة، لأنه يحتل موقعاً مميزاً في سجلات الفساد التاريخي، ويحدث أنه بين فترة وأخرى تُكشف فضائح لا يقبلها العقل من حيث القيم الوطنية المتعارف عليها لدى دارسي علم الاجتماع، أقلها تقديم مصلحة الوطن على المصلحة الشخصية.
لا يستطيع المرء أن يكتم شعوره بالدهشة والاستغراب حين يجد مسؤولا كبيراً في دولة يتبع نظامها السياسي النظام الأبوي الملكي وشخصية سياسية عربية كانت تعتبر "مهمة" في صناعة القرار العربي، بهذه الدرجة من الأنانية والنفعية على حساب وطنه وشعبه!!
الجديد في هذا الملف، الذي يبدو أنه يخبئ الكثير، يمس واحداً من القيادات الرئيسية في الدولة القطرية، تلك الأنباء التي تتداولها وسائل الإعلام العالمية بأن رئيس الوزراء القطري السابق حمد بن جاسم آل ثاني طلب "رسوما شخصية"، وينبغي أن نقف طويلاً أمام كلمة "شخصية"، كي يؤمن استثمارا لدولة قطر في بنك باركليز البريطاني الذي تنظر المحاكم البريطانية هذه الأيام في قضية فساد مالية فيه تعود إلى عام 2008.
هل يمكن أن يكون مسئولاً بهذه الدرجة -إن لم يكن الأول فعلياً كما يدرك الجميع دوره في السياسة القطرية منذ حادثة الانقلاب عام 1995- في دولة تتبع نظاما أبويا يساوم على مصلحة وطنه لمصلحته الشخصية؟ ولماذا يمارس مثل هذا المسؤول الفساد ضد وطنه طالما أن أمور الدولة تحت سيطرته؟ وهل يعقل أن يفعل مثل تلك الممارسات وهو يدعي أنه يخدم مصلحة شعبه ودولته أو الإقليم الجغرافي الذي تتشارك معه دول شقيقة؟ ولماذا فشل نظام الحمدين الآن في إقناع الآخرين من دول الجوار وغيرها في مصداقيته وفي إعادة العلاقات السياسية كما كانت قبل عام 2016؟
أنا لست، وغيري أيضا، بحاجة إلى الإجابة على الأسئلة التي تطرح كلما ظهرت (قصة أو رواية مدهشة) جديدة في ملف فساد الحمدين الذي بات عالمياً، بل المغزى الحقيقي لتلك الأسئلة أنها جاءت بصفة الاستنكار وليس الاستفهام في محاولة هذا النظام الاستمرار في "خداع" الرأي العام العالمي، بأنه لا يمارس أي سلوكيات خاطئة أو مسيئة، ولكن طرح مثل هذه الأسئلة قد يكون عاملا مساعدا على إدراك أفضل لمن لا يزال يؤمن ببراءة هذا النظام الذي يجيد لعب دور الضحية فيما يحدث في العالم العربي من فوضى، ذلك أن الكثير من سلوكيات نظام الحمدين كانت "خافية" على الناس، وأتقن هذا النظام فن إخفائها ولكن، بدأت تنفتح تلك الملفات، وأتوقع أنها في تزايد، والخوف أن يكون ما خفي كان أعظم، لأن ما يظهر حتى الآن شيء مخيف وغير قابل للاستيعاب.
وفق هذه الصورة التي يظهر فيها تغلغل الفساد في مؤسسات الدولة إلى أعلى مستوى سياسي، يبدو أن دولة قطر هي في الحقيقة أحد المشروعات السياسية في المنطقة أقرب إلى أن تكون "مشروع جماعة" أو "حزب الجماعة"، لأنه لا يمكن أن يكون مشروعا وطنيا كونه معروفا تقليدياً أنه مضر لمفهوم الوطنية، وللأسف أن هذا المشروع تمكن عربياً وعالمياً من إفساد الإعلام، وهو السلاح الأخطر، واستخدمه على مراحل بما يخدم أهدافه، فلم يكن كل شيء يظهر إلى الرأي العام، واستمر الحال إلى أن اندلعت ملفات التطرف والإرهاب وتأذى العالم منه، ولم يعد الأمر يسمح بالصمت والاستمرار في محاباته، فبدأت تنكشف الملفات، خاصة بعدما سقط مشروع الإخوان المسلمين في المنطقة، الأمر الذي أفسح الطريق أمام الكم الكبير من الفضائح.
يبدو أنه من المبكر الحديث عن طي صفحة الفساد لنظام الحمدين، لأنه في كل مرة تنكشف تفاصيل خطيرة حوله، بعضها يصعب تصديقه، الأمر الذي يتطلب منا الاستعداد لعدم الاستغراب من القادم، فالعالم اليوم منشغل بمعارك الفساد القطرية إلى درجة أنه لم يعد لها علاقة "ود" مع الآخرين، بل العلاقة في تطور سلبي وتقترب أكثر إلى الدول المنبوذة في المجتمع الدولي، لأن تصرفاتها هي التي تحكم مسار الآخرين معها والتي تصل في النهاية إلى إقامة حاجز نفسي أمام أي تفاعل سياسي أو مالي أو إعلامي معها.
لا يستطيع المرء أن يكتم شعوره بالدهشة والاستغراب حين يجد مسؤولا كبيراً في دولة يتبع نظامها السياسي النظام الأبوي الملكي (لأنه أثبت أفضل الأنظمة السياسية في العلاقة بين الشعب والقيادة على المراحل كافة، بل إن الدول التي كانت ملكية تتمنى اليوم أن تعود إليها بعد أن جربت النظام الجمهوري) وشخصية سياسية عربية كانت تعتبر "مهمة" في صناعة القرار العربي، بهذه الدرجة من الأنانية والنفعية على حساب وطنه وشعبه!!
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة