مدينة تلمسان.. لؤلؤة المغرب المغربي وعاصمة المساجد العتيقة بالجزائر
تلمسان تعني "البئر الجافة" وتضمّ ما يفوق 10 من أقدم المساجد في الجزائر، أُسِّست في القرن الـ4 ميلادي، وشهِدت 10 حضارات.
يُطلق المولعون بها عدة ألقاب عليها، من بينها "لؤلؤة المغرب العربي" و"عاصمة التقاء الحضارات" و"المتحف المفتوح على الطبيعة"، إنها محافظة تلمسان التي تعدّ من أقدم المدن الجزائرية.
- "مليانة" الجزائرية.. زارها ابن بطوطة وعشقها الإدريسي
- بالفيديو.. "غــرداية".. تعرف على عاصمة الأصالة الجزائرية
وإذا كانت محافظات جزائرية أخرى تنام على الموارد الطبيعية، فإن تلمسان تُخفي بين كل تفاصيلها كنوزاً حضارية وتاريخية وثقافية، جعلت منها "عاصمة المساجد العتيقة بامتياز" في الجزائر، بأكثر من 10 مساجد عتيقة يعود تاريخ جميعها إلى مئات السنين.
"العين الإخبارية" زارت تلك المدينة الهادئة والصامدة، اكتشفت سحر جمالها، ووقفت عند بعض ما تخفيه تلمسان من أسرار التقاء حضارات كثيرة بها، جعلت منها مدينة "فريدة من نوعها" عن بقية المدن والمحافظات الجزائرية، حتى إن الداخل إليها ينتابه شعور بروحانية المكان وكأنه في عالم آخر.
موقع تلمسان
تقع مدينة تلمسان في الشمال الغربي من الجزائر، وتبعد عن العاصمة الجزائرية بنحو 600 كيلومتر و40 كيلومتراً عن الحدود المغربية، وتقع على منطقة جبلية يصل ارتفاعها إلى 800 متر عن مستوى سطح البحر.
يحدّها شمالاً البحر المتوسط وجنوباً محافظة "النْعامة"، ومن شرقها توجد محافظتا "عين تموشنت" و"سيدي بلعباس"، بينما يحدّها من الجهة الغربية المملكة المغربية.
أصل التسمية
أما عن أصل تسمية المدينة "تلمسان"، فقد ذكر مسؤولون في متحف الفن والتاريخ بالمدينة لـ"العين الإخبارية"، أن ذلك يعود إلى الكلمة الأمازيغية "تالا إمسان" أو "تيلي مسان"، والتي تعني في اللغة العربية "البئر الجافة".
وقالت المصادر ذاتها، إن الأمازيغ هم أول من أطلقوا تسمية "تلمسان" على المدينة، فيما أطلقوا على المدينة القديمة اسم "أغادير" والتي تعني "القلعة".
غير أن مراجع ومؤرخين اختلفوا مع تلك الرواية، من بينهم المؤرخ يحيى بوعزيز الذي أفاد في كتابه " المراحل والأدوار التاريخية لدولة بني عبدالواد" بأن اسم تلمسان يتألف من كلمتين أمازيغيتين، الأولى "تلم" والتي تعني "تجمُّع"، والثانية "سان" وتعني "اثنان".
ويضيف المؤرخ في مرجعه أن تسمية "تلمسان" جمعت بين مدينتين، وهما "تقرارات" التي أسّسها يوسف بن تاشفين و"أكادير" (أو أغادير) التي أسّسها أبو قرة اليفريني في المدينة.
تأسيس مدينة تلمسان
أُسِّست مدينة تلمسان في القرن 4 ميلادي على يد الإمبراطورية الرومانية وكانت تُعرف آنذاك باسم "بوماريا" والتي تعني المراعي بما فيها من بساتين وأشجار مثمرة، وجعلت منها مستعمرة كما عملت على بناء الكنائس الكاثوليكية بها.
لم يكن الرومان الحضارة الوحيدة التي مرّت على المدينة، فقد كانت على مدار عشرات القرون من تاريخها موطئ قدم لـ10 حضارات ودول.
وتذكر الدراسات التاريخية أن الأمازيغ هم السكان الأصليون للمدينة، قبل أن يدخلها الرومان، ثم جاء عهد الفتوحات الإسلامية الذي أنقذ تلمسان من الاستعمار الروماني بعد أن دخلها القائد العربي عقبة بن نافع عام 671 ميلادي.
عام 789 ميلادي توسّعت "مملكة الأدارسة" إلى تلمسان، وهي المملكة كانت تحكم المغرب، واستمر حكمها لتلمسان إلى غاية عام 985 ميلادي.
حكم المرابطون تلمسان بعد ذلك عام 1079 ميلادي، عقب أن اقتحمها القائد يوسف بن تاشفين، وبنى فيها مدينة "تقرارات" ومسجد تلمسان العتيق الواقع بقلب المدينة.
انتهى حكم المرابطين لتلمسان عام 1143 ميلادي على يد الموحدين، الذين استمر حكمهم 40 عاماً بقيادة "عبدالمؤمن بن علي الكومي".
اشتهرت تلمسان عبر تاريخها بـ"عاصمة الدولة الزيانية" التي حكمت الجزائر وجزءاً من المغرب العربي مدة 3 قرون كاملة من 1235 إلى 1554 ميلادي، وشهدت تلك الفترة تشييد عدد كبير من المدارس والمساجد والزوايا.
وخلال ذلك، حاصر المرينيون مدينة تلمسان 8 سنوات كاملة من 1299 إلى 1307 ميلادي، بقيادة السلطان المريني أبو يعقوب يوسف، وشيَّدوا خارج أسوارها مدينة المنصورة، ثم عادوا إلى محاصرتها من 1335 حتى 1337 ميلادي، في عهد أبو حسان علي وتمكنوا من دخلوها، حيث دام حكمهم لها 11 عاماً إلى سنة 1348 ميلادي.
بعد انهيار الأندلس سنة 1492 تحوّلت تلمسان إلى ملاذ آمن للفارين منها، واستقبلت مئات الآلاف من الأندلسيين، غير أن المدينة تعرّضت للاحتلال الإسباني، ورغم محاولاته طمس هويتها، إلا أن تلمسان استفادت من علم وخبرة وثقافة سكان الأندلس في الحفاظ على موروثها، وسمح ذلك أيضا بنقل الإرث الأندلسي إلى تلمسان.
وفي سنة 1555 ميلادي، تمكن العثمانيون من دخول المدينة بقيادة بابا عروج، بعد حرب طاحنة مع الإسبان، واستمر حكمهم لها إلى غاية سنة 1844 تاريخ دخول الاستعمار الفرنسي إلى تلمسان، والتي لم يخرج منها إلا سنة 1962.
قوبل الاستعمار الفرنسي في بداياته بمقاومة شرسة من قبل مؤسس الدولة الجزائرية الأمير عبدالقادر، قبل أن يفرض الاستعمار سيطرته عليها، ويعمل بكل الطرق على طمس الهوية العربية والإسلامية، من خلال حرق المساجد وتحويل أخرى إلى كنائس أو إلى أماكن لإقامة جنوده أو حانات أو إسطبلات للخنازير والأحصنة.
ويتّضح من خلال ما سبق، أن تاريخ تلمسان الذي مرّت عليه كثير من الأجناس والحضارات، أكسبها تنوعاً ثقافياً واجتماعياً ودينياً هائلاً، انعكس على عادات وثقافة أهلها، ما أعطى مزيجاً فريداً لا يمكن الحصول عليه إلا في تلمسان، التي اختيرت عام 2011 عاصمةً للثقافة الإسلامية، خصوصاً مع ضمّها أكبر عدد من أقدم المساجد في الجزائر.
aXA6IDMuMTM5LjEwOC40OCA=
جزيرة ام اند امز