بالفيديو .. قسنطينة عاصمة الجسور المعلقة والصخر العتيق
المدينة الضاربة في التاريخ التي لا يقل عمرها عن 25 قرنا، والوحيدة في العالم التي بُنيت على صخرة كبيرة.
المدينة الضاربة في التاريخ التي لا يقل عمرها عن 25 قرنا، والوحيدة في العالم التي بُنيت على صخرة كبيرة، يحلو للشعراء تسميتها "بمدينة الهوى والهواء" للطافة جوها.
يضفها أهل العلم بـ"اللؤلؤة التاريخية الثرية والمدينة المتفردة"، أسعدت الرحالة العرب القدامى فسموها "المدينة السعيدة"، قسنطينة، عاصمة الشرق الجزائري، والعاصمة الثقافية للبلاد.
لهذه المدينة قصة غريبة مع الرقم سبعة، ومن المعروف في الحضارات القديمة أن هذا الرقم يرتبط بالأشياء العجيبة ولا يزال حتى الآن لغزا يصعب فكه، حيث تمتاز بطبوغرافيا عجيبة، فهي مبنية على جبل يتكون من سبعة رؤوس، وكان لقسنطينة قديما سبعة أبواب، وبها إلى اليوم سبعة جسور معلقة.
يذكر المؤرخون أن مدينة قسنطينة تأسست سنة 1450 قبل الميلاد، ومنهم من أرجع نشأتها إلى قبل هذا التاريخ بكثير، في حين ينسب آخرون تأسيسها إلى التجار الفينيقيين الذين أطلقوا عليها تسمية (قرتا) والتي تعني بالفينيقية "القرية" أو "المدينة"، فيما سماها القرطاجيون (ساريم بايتم)، ليتغير اسمها مع مرور الزمن إلى (سيرتا)، بعد أن نزح إليها بنو كنعان من فلسطين سنة 1300 قبل الميلاد، حيث امتزجوا بقدماء النوميديين وقتئذ.
تعاقبت على قسنطينة خلال 17 قرنا عدة حضارات، فمن البونيقيين إلى النوميديين حيث ذاع صيتها بعد أن اتخذها القائد الأمازيغي وملك نوميديا "ماسينيسا" عاصمة لمملكة نوميديا، واستطاع حاكم قرطاجة القائد "يوغرطة" أن يجعل منها قطبا مهما في المنطقة، ومن ثم إلى البيزنطيين والوندال والرومان، غير أن الرومان قاموا بتخريبها بأمر من الإمبراطور (ماكسينونس) سنة 311 م.
وفي 313م أعاد الإمبراطور الروماني (قسطنطين) بنائها، فاتخذت اسمه وأصبح اسمها (قسطنطينة)، إلى أن خُفف تدريجيا إلى (قسنطينة)، حيث لا يزال تمثال الإمبراطور الروماني (قسطنطين) يتوسط المدينة.
ومنذ القرن الثالث عشر، انتقلت المدينة إلى حكم الدولة الحفصية، التي كان مركزها تونس، حتى دخلها حكم العثمانيين، حيث تم اختيار قسنطينة لتكون عاصمة بايلك (ولاية) الشرق الجزائري.
وبعد سقوط الأندلس عام 1492م، لجأ كثير من الأندلسيين إلى قسنطينة واستقروا بها، وساهموا كثيرا في حياتها الثقافية والاجتماعية، وجلبوا معهم خبراتهم ومهاراتهم الفنية، من بينها فن الغناء الأندلسي المعروف في قسنطينة اليوم "بالمالوف".
أحد حصون الإسلام
تعد قسنطينة أحد حصون الإسلام المنيعة منذ أن دخلها الإسلام، وازدهرت اللغة العربية في هذه المدينة رغم محاولات الاستعمار الفرنسي محوها بشتى الطرق، إذ يذكر التاريخ أن مدينة قسنطينة صمدت أمام مختلف الحوادث التي ألمت بها، خاصة في فترة الاحتلال الفرنسي، حيث ظلت لمدة طويلة صعبة المنال عليهم، ولم يستطيعوا إخضاعها إلا سنة 1848م، ومنذ هذا التاريخ.
يقول المؤرخون، إن الفرنسيين حاولوا تجريد الشعب الجزائري من شخصيته العربية والإسلامية، وذلك بالسماح للفرنسيين والإيطاليين والإسبان واليهود بالإقامة الدائمة في قسنطينة، إلا أنهم فشلوا في تحويل أفكار الجزائريين عن قيمهم الروحية، بل ظلوا يستمدون قوتهم وصمودهم من العروبة والإسلام.
وأدت المدينة دورا مهما في تغذية الحركة الوطنية في مختلف اتجاهاتها ومشاربها، وكانت من طليعة المدن الجزائرية التي خاضت غمار الإصلاح، ومدت الحركة الوطنية والثورة التحريرية بالمجاهدين والأبطال.
جسور قسنطينة
تبدو للداخل إلى مدينة قسنطينة كتلة صخرية تربط بين تجمعاتها السكنية مجموعة من الجسور المعلقة، والتي بُنيت بشكل أسطوري فترتي التواجد العثماني والاحتلال الفرنسي، ومن هنا سميت قسنطينة "بمدينة الصخر العتيق" و"عاصمة الجسور المعلقة" التي أصبحت تشكل اليوم معالما سياحية جميلة، وتسمى باللهجة القسنطينية (القنطرة)، حيث تربط جزأين من المدينة، يفصل بينهما وادي الرمال العميق.
ويتصدر جسور قسنطينة "جسر باب القنطرة"، وهو أقدم الجسور، حيث بناه العثمانيون عام 1792م، وهدمه الفرنسيون ليبنوا على أنقاضه الجسر الموجود حاليا وذلك سنة 1836م.
جسر سيدي راشد، يعتبر أعلى جسر حجري في العالم، وقد بدأت حركة المرور به سنة 1912م، حيث يحمله 27 قوسا، يبلغ قطر أكبرها 70م، ويقدر علوه بـ 105 م، أما طوله فيبلغ 447 م وعرضه 12 م، ويقال بحسب الروايات المتداولة إن اسم الجسر أطلق على ولي صالح يدعى سيدي راشد ويوجد مقامه تحت الجسر.
جسر سيدي مسيد، ويسمى أيضا بالجسر المعلق، وهو أعلى جسور المدينة، حيث بناه الفرنسيون سنة 1912م، ويقدر ارتفاعه بـ 175 م وطوله 168م.
جسر ملاح، ويعرف في المدينة باسم "قنطرة الحديد"، فهو عبارة عن ممر حديدي مخصص للراجلين فقط ومحكم بأسلاك حديدية صلبة، يبلغ طوله 15 م وعرضه 2.5 م.
جسر مجاز الغنم، وهو جسر صغير أحادي الاتجاه.
جسر الشيطان، وهو جسر صغير يربط بين ضفتي وادي الرمال، ويقع في أسفل أخدود الوادي.
جسر الشلالات، وبني سنة 1928م، ويوجد في أسفل المدينة، تعلوه أحيانا مياه وادي الرمال التي تمر تحته مكونة شلالات.
المعالم السياحية لقسنطينة
تتوفر قسنطينة على معالم سياحية خاصة في المدينة القديمة ذات المعمار العربي الإسلامي، حيث تنتشر الأزقة الضيقة و"الرحبات" أو الأسواق الشعبية، ومن بينها "رحبة الصوف" و"رحبة الجمال".
ومن معالمها المعمارية، قصر أحمد باي، الذي يعود إلى القرن الثامن عشر، حيث حافظ على طابعه الإسلامي رغم محاولات الاحتلال الفرنسي لطمسه، إضافة إلى متحف قسنطينة الذي يحتوي على تحف أثرية ثمينة تؤرخ للحضارات التي تعاقبت على المدينة ويعود تاريخها إلى ما قبل الميلاد.
كما نجد المسرح الجهوي الذي يعود إلى القرن التاسع عشر، ونصب الأموات الذي بُني سنة 1934م، ومن خصوصياته أنه يقع تماما في منتصف المسافة بين الجزائر العاصمة وتونس العاصمة، وبجواره تمثال "مريم العذراء" والمسمى "سيدة السلام".
وتوجد في المدينة أيضا مقابر للسكان من قبل التاريخ، حيث أظهرت عمليات الحفر وجود مقابر على درجة عالية من الفخامة، وتقع على قمة جبل "سيد مسيد"، وتمتاز المدينة أيضاً بوجود عدة كهوف مميزة ذات منظر جمالي رائع، مثل "كهف الدببة" الذي يبلغ طوله 60 مترا، و"كهف الأروي" ويبلغ طوله 6 أمتار، وهما عبارة عن محطتين للصناعات الأثرية التي تعود إلى ما قبل التاريخ.
ومن بين ما يشد الزائر إلى قسنطينة، الأقواس الرومانية التي مازالت تتوسط المدينة التي يعود تاريخها إلى العهد الروماني، إضافة إلى العديد من الأحياء القديمة بينها "القصبة" و"سوق العصر"، و"السويقة"، وهي منطقة تقليدية ذات شوارع ضيقة بنيت بالحجارة الملساء.
مدينة الإلهام
هذه هي المدينة التي ألهمت الروائية، أحلام مستغانمي، في رواية "ذاكرة الجسد"، وقبلها كاتب ياسين، ومالك حداد، والأديب الطاهر وطار، وكاتب ياسين ومالك حداد، والطاهر وطار في روايته "الزلازل"، وشاعر الجزائر، مفدي زكريا، لأن كل ما فيها متفرد واستثنائي.