بالصور: صناعة الخشب التقليدية في الجزائر.. روح الماضي بلمسة معاصرة
معرض للفنان بنيكوس منير، أعاد فيه إحياء صناعة تقليدية خشبية قديمة خاصة بحي القصبة العتيق بالجزائر العاصمة، مازجاً بين الأصالة والمعاصرة
لطالما تحسر الجزائريون على اندثار صناعات تقليدية مستمدة من "الزمن الجميل" كما يقولون، ارتبطت غالبيتها بتاريخ الجزائر الذي مرت عليه عديد من الحضارات، وبقيت بعض منها إلى يومنا هذا.
- بالصور.. "النحت على المعادن" فن صاعد يقتحم معارض الجزائر
- 17 بلدا تشارك في معرض دولي للشريط المرسوم بالجزائر
وتعاني الصناعات التقليدية، خصوصاً اليدوية منها، منذ ثمانينيات القرن الماضي من عدة مشاكل، لأسباب أبرزها غياب إرادة حقيقية في النهوض بها، وتفضيل كثير من أصحابها الاستغناء عنها والدخول في تجارة تضمن لهم ربحاً أكثر.
الفنان بنيكوس منير تحدى ذلك وأكثر، إذ تحدى إعاقته والتهميش الذي طاله من محيطه والمشرفين على قطاع الصناعات التقليدية، ليعيد إحياء صناعة تقليدية ارتبطت بمدينة الجزائر العاصمة، وتحديداً حي القصبة العتيق منذ القرن 15 الميلادي، بإمكانياته ومجهوده الخاص.
منير استغل حرفته كنجار، ليصنع تحفاً وإبداعات عرضها بـ"رواق الفنون عائشة حداد" في العاصمة الجزائرية، أبهرت الزوار وأعادتهم إلى زمن "ذهب ولم يعد"، فأعاده إليهم لكن بأشكال وألوان مختلفة، و"بكثير من الجرأة وقليل من البساطة".
عند مدخل المعرض الذي زارته "العين الإخبارية"، والذي أبدع أيضا الفنان بنيكوس منير في صنع ديكور جميل من تلك التحف الخشبية، توجد "موائد" الجزائريين التقليدية المصنوعة من الخشب، أضاف عليها الفنان إبداعات المعاصرة.
موائد بألوان مختلفة غلبت عليها ألوان الأزرق والبرتقالي والأصفر، بمختلف الأحجام، حتى إنه صنع موائد مصمم عليها "صينية القهوة" التي يستقبل بها الجزائريون ضيوفهم.
صناديق غرف النوم لم يغفل عنها الفنان منير، وهي الصناديق التي لم يكن يخلو منها أي بيت جزائري، وبدأت في الغياب عن منازلهم منذ تسعينيات القرن الماضي.
وهي الصناديق التي كانت تأتي بها العروس إلى بيت زوجها محملة "بالجهاز والشورى"، وتخصص فيما بعد كخزانة للثياب أو للأشياء الثمينة، وكان يسميها الجزائريون "صناديق العجب".
في المعرض توجد أيضا مرايا ولوحات تنوعت بين الرسوم المستمدة من الفن التشكيلي للجزائر العاصمة، وأخرى بها أسماء الله الحسنى أو لفظ الجلالة، والتي كانت أيضا من بين "ضروريات" البيوت الجزائرية.
إضافة إلى لوحة على شكل يد الإنسان، وهي التي تعني في موروث الجزائريين الشعبي "طرد وإبعاد عين الحاسد"، وفق معتقدات قديمة، وما زالت إلى يومنا أشكال "الخمسة" التي ترمز إلى الأصابع الخمسة ليد الإنسان، موجودة في كثير من بيوت الجزائريين بداخلها وحتى على مداخلها.
مزيج الأصالة والمعاصرة الذي فضل الفنان منير إخراجه إلى العلن، امتد أيضا إلى علب خشبية لوضع حلي وذهب المرأة ومختلف الأشياء الثمينة، بألوان زاهية خاصة تلك التي تفضلها المرأة، إضافة إلى "صينية القهوة" بكل الألوان وقطع أخرى للزينة في المنازل.
قطع تقليدية خشبية من عمق تاريخ الجزائر العاصمة، أعاد إحياءها الفنان بنيكوس منير بنظرة مغايرة، حافظ فيها على الشكل أو الفكرة، ورشَّ عليها صبغة معاصرة، اجتمعت معها كل ألوان الطبيعة في معرض واحد.
- "الجَبَّة القبائلية".. أصالة أمازيغية جزائرية صنعت زيا فريدا
- بالصور.. معرض لبيع الأوراق النقدية العربية القديمة بالجزائر
الفنان منير شرح في حديث مع "العين الإخبارية" سبب "مجازفته" بإعادة إحياء صناعة تقليدية قديمة بلمسات عصرية، وأسباب اختياره لتلك الألوان والأشكال.
"تراثنا بكل أنواعه بات مهدداً بالزوال، لماذا نسمح بزواله ونحن أصحابه، نملك الحق في إحيائه، نملك التقنية، الموهبة، الإمكانيات"، هكذا بدأ منير كلامه.
ليكمل، بأن "هذا المعرض هو أكبر تحدٍ لي، زاوجت فيه بين الأصيل والمعاصر لأَقدم حي في الجزائر وهو القصبة".
وأضاف "غالبية التحف الخشبية الموجودة هنا في المعرض ما زالت في مخيلتي منذ صغري، أينما كنت أذهب أجدها، عند جدتي، في منزلنا، عند الخالة، العمة، الجيران، كانت جزءا مهماً في حياتنا، لكننا لم ننتبه لذلك، إلا بعد أن بدأت في الاندثار عاماً بعد عام".
بنوع من الحسرة أيضا، يتابع الفنان الجزائري قائلاً: "أصبحت بيوتنا اليوم مليئة بأثاث جديد يأتينا من مختلف دول العالم، هي رائعة فعلا، لكنها لم تملأ ذلك النقص أو الفراغ الذي تركته تلك التحف المصنوعة من الخشب، أسِرَّة للكبار والصغار، صناديق ولوحات، تجدها في كل غرفة، في كل زاوية من البيت العاصمي".
ليقودنا فيما بعد الفنان بنيكوس منير في جولة عبر المعرض، يقف عند كل قطعة ليشرح نوعها ونوع رسومها، حاول خلالها الإجابة عن أكبر قدر ممكن من الأسئلة، لم يترك مجالاً لطرحها، لأنه أصم، وهي الإعاقة التي نجح منير في تعويضها بموهبة وإبداع "انعدم نظيره في الجزائر"، وجعل كل من يرى تلك التحف الخشبية "يسمع للماضي الذي جاءت منه، ويحن إليه".
عن الرسوم التي اختارها الفنان في الموائد واللوحات، فهي مستمدة كما قال منير في حديثه مع "العين الإخبارية" من "طراز الأرابيسك أو فن الزخرفة العربية الجزائرية لمنطقة القصبة بالجزائر العاصمة، خاصة في الصناديق وبعض الموائد، إضافة إلى طراز موريسك العاصمي، الذي جاء به أهل الأندلس إلى الجزائر بعد سقوطها".