شباب القرى الجزائرية يحتفون بتقليد «تمشريط».. ما هو؟
يكرس شباب القرى الجزائرية تقليد "تمشريط" القديم الذي يقوم على التكافل والتضامن من خلال جمع الأموال ثم شراء عجول وذبحها لتوزيع لحومها.
واجتمع العشرات من سكان قرية آث عتيق القريبة من بجاية، وعشرات آخرون من مختلف المناطق وحتى من خارجها، في يوم بارد جدا من شهر يناير/كانون الثاني، للاحتفال برأس السنة الأمازيغية أو ما يُعرف بـ"ينّاير" على وقع الموسيقى القبائلية.
وقال دحمان برباشة (41 سنة)،أحد سكان القرية، لوكالة الصحافة الفرنسية: "نعمل على تخليد هذه العادة التي يتم الاحتفال بها في المناسبات الثقافية أو الدينية"، ويعود للمشاركة فيها الناس الذين غادروا القرية.
ويرتدي الأطفال في الاحتفال أزياء تقليدية ويرسمون على وجوههم وشوما لرموز أمازيغية.
ووأوضح المؤرخ صالح أحمد بارودي أن تمشريط (ومعناها التوزيع بالأمازيغية) التي ظهرت للمرة الأولى في القرن السابع الهجري (القرن الثالث عشر ميلادي) كانت تمثل دائما "مناسبة دائمة للقاء والتآخي والتصالح والتزاوج بين العائلات".
وأضاف بارودي، أستاذ التاريخ الجزائري المعاصر في تلمسان (غرب)، أن الزردة، أوالوعدة او الزيارة أو الوزيعة أو تمشريط، كلها أسماء تدل على العادة نفسها في مناطق مختلفة من البلاد.
كما يُحتفل بها في شهر رمضان المبارك وفي ذكرى المولد النبوي أو في عاشوراء، وهو من الاعياد المهمة في التقويم الإسلامي.
وأشار إلى أن تمشريط "غالبا ما كان يُقام في الزوايا القرآنية (مدارس تحفيظ القرآن)، وخصوصا في المناطق الجبلية، لما له من بعد روحاني، مثل زاوية الميرة في أقصى غرب الجزائر بالقرب من تلمسان والزاوية الرحمانية في صدوق بالقرب من بجاية".
الحفاظ على التقاليد
قبل أيام من مناسبة تمشريط، يجمع رجال القرية تبرعات من المال لشراء العجول. ثم يذبحون هذه الحيوانات ويقسمون اللحم بالتساوي بين سكان القرية سواء شاركوا في التبرع او لا ومهما كانت قيمة الاموال التي دفعها كل ساكن.
كما يتم إعداد وجبة طعام في اليوم نفسه لتمكين جميع السكان والضيوف، مهما كانت مرتبتهم الاجتماعية، من المشاركة فيها، وعادةً ما تكون عبارة عن كسكسي تعده نساء القرية.
وقال رئيس جمعية إيثران الثقافية في آث عتيق فرحات مدحوس (31 سنة) "لقد نظمنا أنشطة ثقافية للأطفال، لغرس روح الوعي والتطوع في نفوسهم، وتعليمهم منذ الصغر المشاركة في المهرجان، وتهيئتهم للمستقبل، عندما يكبرون، للحفاظ على هذه التقاليد".
وأوضح أن معظم الأشخاص الذين ينظمون الاحتفال تتراوح أعمارهم بين 18 و40 عاماً.
ويأخذ عمار بن خروف (36 عاما)المقيم في في فرنسا إجازة كل عام ليحضر مع عائلته إلى قريته كي يشهد هذا التقليد. وقال: "لا يمكنني وصف السعادة التي تغمرني"، فهو مسرور لأنه "يساهم في الحفاظ على هذا التراث".
وفي منتصف النهار، بدأ المنظمون في تقديم أطباق الكسكسي للناس المتجمعين في الساحة بينماانشغل آخرون بتوزيع اللحم في حصص حسب عدد أفراد كل عائلة.
وخلال حرب التحرير ضد الاستعمار الفرنسي (1954-1962)، كان تقليد تمشريط فرصة لتأكيد الولاء للوطن والتصميم على نيل استقلال البلاد، كما أوضح بارودي.
وفي الجزائر المستقلة، استمرت عادة تمشريط رغم انحسارها بسبب الحرب الأهلية (1992-2002) بين الجماعات الإسلامية وقوات الأمن، والتي أودت بحياة 200 ألف شخص رسميا، لكنها "عادت مجددا في مطلع العقد الأول من القرن الحادي والعشرين"، على ما أشار.
وأضاف المؤرخ أن تخليد هذا التقليد يتيح اليوم للقرويين حلّ المشاكل وتعزيز التضامن وتشجيع عودة أولئك الذين غابوا لسنوات: "إنه أمر جيد".
وبالنسبة للاحتفالات في السنوات المقبلة، تنوي جمعية فرحات مدحوس "إعادة النساء تدريجيا للمشاركة في هذه التقاليد الموروثة عن الأجداد".
واعتدن المشاركة في تمشريط " الوقوف في منطقة مختلفة غير بعيدة عن تجمع الرجال، لكن منذ التسعينات (الحرب الأهلية)، تراجعت مشاركة النساء في تمشريط بشكل كبير"، على ما لاحظ بأسف رئيس جمعية إيثران.
aXA6IDMuMTQxLjEyLjE3MiA= جزيرة ام اند امز