المترجم المصري طه زيادة: التنازلات في "شجار القطط" تمنع الحرب الأهلية
في 2015، فاز طه زيادة بجائزة الترجمة المصرية الإسبانية التي يمنحها المركز القومي للترجمة في القاهرة بهدف تشجيع الترجمة من الإسبانية
قال المترجم المصري طه زيادة، الذي يترجم عن الإسبانية، إن التركيز على اللغات الرئيسية في العالم مثل الإنجليزية والفرنسية يضيع علينا فرصة التعرف على كنوز آسيا وأفريقيا بلغاتها الأصلية، مشددا على أهمية وجود كيان يحمي المترجم العربي ويوفر له مستحقاته ومكانته اللائقة.
وفي 2015، فاز طه زيادة بجائزة الترجمة المصرية الإسبانية التي يمنحها المركز القومي للترجمة في القاهرة بهدف تشجيع الترجمة من الإسبانية إلى العربية، وكانت عن ترجمة كتاب "رحلة إلى مصر وسوريا وفلسطين" الذي يضم مراسلات المستشرق الإسباني ايميليو جوميث مع معلمه ميجل آسين بالاثيوس مطلع القرن العشرين.
كما ترجم كتابا بعنوان "زايد- سيرة ذاتية للإمارات العربية المتحدة" تأليف: ديكسون أكوستا ميديين وهو أول سيرة مكتوبة بالإسبانية عن حياة المغفور له المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة.
وأوضح زيادة في حوار مع "العين الإخبارية" أن ترجمته لرواية "شجار القطط" للروائي الإسباني إدواردو مندوثا التي صدرت حديثا عن دار مسعى تجسد أهمية تفادي الحرب الأهلية، عبر تقديم التنازلات مهما كان حجمها من أجل هذا الهدف النبيل.
- لماذا وقع اختيارك على "شجار القطط" بالتحديد كي تترجمها؟
حازت رواية "شجار قطط" التي نشرها إدواردو مندوثا، على جائزة بلانيتا وهي واحدة من أهم دور النشر في إسبانيا وأمريكا اللاتينية، وكانت أول رواية يكتبها ابن برشلونة عن مدريد، ليقدم من خلالها رؤيته عن مأساة الحرب الأهلية الإسبانية (1936-1939) وإن كان يبدأ الخيط السردي من المرحلة السابقة مباشرة على اندلاع الحرب ووقوع "شجار القطط" بمعنى تحول الإخوة لأعداء بسبب غياب الحوار ومن ثم انقضاضهم على بعض في قتال مميت يخرج الجميع منه خاسرين.
تزامنت قراءتي للرواية مع تداعيات ثورة يناير بمصر وما تبعها من أحداث سياسية، فكان لزاما أن نحذر من الوضع في إسبانيا في مارس 1936، أي قبل اندلاع شرارة الحرب الأهلية التي استمرت في إسبانيا لثلاث سنوات وراح ضحيتها ما يقرب من ثلاثة ملايين شخص، لكي يعرف جمهور القراء أهمية تفادي الحرب الأهلية، كما حدث في بلدان مثل سوريا والعراق، عبر تقديم التنازلات مهما كان حجمها من أجل هذا الهدف النبيل.
- كيف ترى واقع الترجمة في عالمنا العربي حاليا؟
رغم كل الأوضاع التي تشهدها المنطقة، فإنني متفائل بشأن مستقبل الترجمة في العالم العربي مع ظهور جيل شاب على درجة عالية من التأهيل والوعي بحال الثقافة لدينا وفي الغرب، وعلى الرغم من استمرار التوجه إلى ترجمة أعمال من اللغات الأجنبية إلى العربية وليس العكس، فإن الأمر مبشر.
في السياق ذاته، توجد حالات استثنائية لكتاب تترجم أعمالهم إلى لغات أجنبية مثل الكاتب المصري علاء الأسواني والكاتب المصري خالد الخميسي، وبالطبع قبلهما الروائي العالمي نجيب محفوظ والروائي المصري يحيى حقي. ولكن يجب ألا ننسى أن هناك فجوة كبيرة بين الأجيال في عالم الترجمة، نتيجة لظروف حالت خلال الثلاثين عاما الماضية من أن يطرأ تغيير على مشهد الواقع الثقافي ونشاط الترجمة، باستثناء دور النشر الخاصة سواء في العالم العربي أو مصر التي باتت بديلا في بعض الأحيان لمؤسسات الحكومة في عقود سابقة، وبما أنها تسعى للاضطلاع بهذا الدور الطموح في حركة الترجمة، نأمل ألا يقتصر نشاطها على ترجمة أعمال أدبية مثل الروايات فقط، بل تقوم بنشر أعمال علمية مترجمة في الطب والهندسة، وعلوم الاجتماع والفلسفة والفنون التشكيلية.
- ألا ترى أن حركة الترجمة حاليا تركز على الإنجليزية والإسبانية والفرنسية ونهمل النقل عن ثقافات آسيا وأفريقيا بلغاتها الأصلية؟
مع غياب مشروع محدد الملامح لنشاط الترجمة، نجد أنه بالفعل أصبحت الجهود المبذولة تقتصر على الثقافة الغربية وحدها، وهو ما يعد تفريطا بالفعل في كنوز ثقافية حقيقية لم تصل بعد للقارئ العربي مثل الإبداع القادم من أفريقيا أو آسيا، وهو ما يثير حالة من الريبة والقلق بشأن توجهات حركة الترجمة الآن وجدواها.
في المقابل وجب التنويه بأن الغرب لا يعرف في مجمل ما يعرف عن الأدب العربي وعالمه إلا ما خرج به من قراءاته لترجمة "ألف ليلة وليلة"، على حد وصف أديب نوبل البيرواني ماريو بارجاس يوسا خلال زيارته القاهرة مطلع القرن الجاري، وإن أضاف أنه استمتع أيضا بقراءة أدب نجيب محفوظ مترجم للإسبانية.
ومن هنا نضيف أيضا أن خلال العقدين الأول والثاني من الألفية الحالية، جرت أمور أخرى جعلت للأدب العربي ثقلا كبيرا في الغرب بفضل أدباء شبان تحديدا من جيل التسعينيات يقدمون أدبا مختلفا، سردا وشعرا، وإبداعا حقيقيا جديرا بالترجمة، يبرز من بين هؤلاء من مصر أحمد يماني وياسر عبداللطيف، ومن العراق عبدالهادي سعدون ومحسن الرملي، وهذا على سبيل المثال لا الحصر. ويستلزم الأمر وجود خطة واضحة لنقل الإبداعات العربية للآخر بعيدا عن الصورة النمطية الجاهزة التي تحصرنا في الإرهاب وداعش واضطهاد المرأة!
- ما مواصفات الترجمة الناجحة برأيك؟
الترجمة ما هي إلا عملية نقل ثقافة، ولهذا يجب أن يكون المترجم مؤهلا بشكل جيد، نظرا لجسامة المهمة الواقعة على كاهله وهي تصديه لعملية نقل الثقافة من العالم الذي يترجم منه إلى العالم الذي يترجم إليه وهي مهمة ليست سهلة، وعلى الرغم من أن الكثيرين يتعاملون حتى الآن مع الترجمة بوصفها ذائقة، وحسن اختيار وحس لغوي وأدبي ومعرفي، فإن الترجمة الآن علم مستقل بذاته له نظرياته ودراساته، وبالمناسبة توجد الكثير من الدراسات الأكاديمية المنشورة عالميا من إبداع أكاديميين مصريين وعرب في هذا المجال المعرفي العظيم.
ومن ثم فإن الترجمة الناجحة الآن باتت تتطلب مقومات عدة أهمها بالإضافة إلى الذائقة والحس والثقافة، التأهيل الجيد للتعامل مع إشكاليات الثقافة التي تطرحا النصوص التي يتعامل معها، هذا فضلا عن وجود كيان يحمي حقوق المترجم ويوفر له الأجر العادل والمكانة المستحقة، والظروف المناسبة لكي يتفرغ لعملية الإبداع الترجمي، وهي ظروف لا تتوفر في أغلب الأحيان في واقعنا الثقافي.
- ماذا عن ملابسات ترجمتك لمذكرات المستشرق الإسباني جوميث ورحلته لمصر وسوريا وفلسطين، وهل كنت تتوقع فوز هذا الكتاب بجائزة أفضل ترجمة؟
خلال مشواري الممتد لم أقدم أعمالا كثيرة، ولكني حرصت على التدقيق في الاختيارات، وأشير أيضا إلى أنه من وجهة نظري النصوص هي من تختار بنسبة كبيرة مترجميها، وهذا ما حدث لي سواء مع رواية "شجار قطط"، التي صدرت بالعربية هذا العام عن دار مسعى، أو كتاب مراسلات المستشرق الإسباني ايميليو جوميث مع معلمه ميجل آسين بالاثيوس حول رحلته إلى مصر وسوريا وفلسطين (1927-1928)، وقد وقع الكتاب بين يدي بالصدفة ووجدته يناديني لكي أستنقذ نصوصه من انغلاقها على لغة كاتبها لكي تنفتح على لغة الثقافة التي يتحدث عنها في أول احتكاك للمؤلف بينه وبينها.
وبالفعل حققت الوقائع والنصوص والأشخاص الذين ظهروا في العمل، وكان سعي الوحيد أن يعرف الناس في مصر والعالم رأي مستشرق مهم مثل جوميث عن واقعنا قبل نحو 90 عاما، وقدمت صورا للشخصيات والأماكن وغيرها من العناصر المهمة في النص، ولم أكن أتوقع الفوز بأي شيء ولكن الترجمة فازت بجائزة رفيعة منحتها لجنة من كبار الأساتذة والمتخصصين في الأدب الإسباني، مثل الراحل الأستاذ الدكتور محمد أبو العطا، والأستاذة الدكتورة نادية جمال الدين، والأستاذة الدكتورة هالة عواد، فضلا عن المستشارة الثقافية بسفارة إسبانيا في مصر مونتسرات مومان، وأساتذة كبار من المركز القومي للترجمة بمصر.
aXA6IDMuMTQ0LjEwMS43NSA= جزيرة ام اند امز