المترجم المصري أحمد صلاح الدين: تولستوي لم يعتنق الإسلام
المترجم المصري أحمد صلاح الدين يستعد لإصدار كتاب جديد عن عملاق الأدب الروسي تولستوي، فضلا عن الإسهام في فيلم وثائقي عنه
أكد المترجم المصري أحمد صلاح الدين أن انهيار اتحاد السوفيتي أثر سلبا على حركة الترجمة من الروسية إلى العربية، ما يستلزم بذل جهد مضاعف الآن لتعويض هذا النقص.
وشدد على أن الطبيعي أن تركز حركة الترجمة على كلاسيكيات الأدب الروسي رغم وجود أدباء معاصرين في روسيا لا تقل أعمالهم أهمية عن الكتاب المؤسسين.
ويعد الروائي أحمد صلاح الدين، أحد أبرز المترجمين العرب عن اللغة الروسية، وسبق أن ترجم عددا من الأعمال المهمة، منها أعمال الكاتبة الحائزة على "نوبل" سفيتلانا أليكسييفيتش، كما ترجم عدة كتب عن أعلام الأدب الروسي.
ويستعد صلاح الدين لإصدار كتاب جديد عن عملاق الأدب الروسي تولستوي، فضلا عن الإسهام في فيلم وثائقي عنه يرى النور قريبا، كما يعكف على الإعداد لترجمة روايات لكتاب مثل الراحل فلاديمير شاروف، وزاخار بريليبين، كما ينتظر صدور ترجمته للرواية الحائزة على جائزة البوكر الروسية 2018، وإلى تفاصيل الحوار.
تستعد لإصدار كتاب جديد عن عملاق الأدب الروسي تولستوي، فضلا عن الإسهام في فيلم وثائقي عنه يرى النور قريبا، ما حكايتك مع هذا الرمز الثقافي الإنساني؟
عندما سافرت لدراسة اللغة الروسية والأدب الروسي في موسكو في مطلع الألفية، كانت "الحرب والسلام" ضمن منهج الدراسة، وبعد أن أتقنت اللغة الروسية انفتح أمامي عالم سحري، واطلعت على الكثير من كتابات تولستوي، سواء الأدبية أو الفكرية، ما جعلني أتعرف على الرجل بشكل أكبر.
تخيل أن هذا الرجل ينتمي للقرن الـ19، وعندما تقرأ تأملاته، تجد فيها ما ينير لك طريقك اليوم في الألفية الجديدة.
أعرف أن لك ملاحظات عما يتردد عن اعتناق تولستوي للإسلام؟
لا يوجد في الوثائق ما يثبت هذه الفرضية التي يراها المستشرقون، فهي مبالغة من العرب، ربما من فرط حبهم لتولستوي ورغبتهم في أن يصير واحدا منهم.
الثابت في أعماله ورسائله ويومياته أنه كان معجبا بشدة بشخصية النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ويقدر ويحترم التعاليم الإسلامية والفكر الإسلامي، وله كتاب اسمه "حكم النبي محمد"، ترجمه للعربية سليم قبعين.
تولستوي مسيحي مؤمن، وذكر العديد من الباحثين أنه في أواخر حياته صار "هيومانيا" أي إنسانيا، ويقدر ويحترم كل الأديان والعقائد، وتحدث عنها جميعا في غير مرة.
يذكر أنه في أحد رسائله إلى سيدة طلبت منه النصيحة، وكانت أرملة لرجل مسلم وهي مسيحية، وكانت تريد أن يقول لها إلى أين دين يجب أن ينتمي أولادها، فنصحها تولستوي أن تدع الأولاد ينتمون لدين أبيهم، لما في الديانة الإسلامية من تعاليم قيمة ستفيدهم في مستقبلهم، وأن تبقى هي على ديانتها المسيحية.
تولستوي درس اللغة العربية وحكايات ألف ليلة وليلة، وحول العديد من الحكايات إلى حكايات ذات طابع روسي لفرط إعجابه بها واعتقاده أنها ستفيد القراء في روسيا.
وتراسل ليف تولستوي مع العديد من الشخصيات من العالم الإسلامي، مثل الإمام محمد عبده، وغيره من المسلمين الروس، سواء في القوقاز أو من مسلمي كازان.
وماذا عن كتابك "دولة الحب" الذي يجمع مراسلات تولستوي وغاندي؟ ما الذي لا نعرفه عن هاتين القمتين وحاولت أن تكشفه لنا؟
أحرص دائما أثناء زياراتي لروسيا على زيارة المتاحف والمكتبات للاطلاع والبحث عن موضوعات أنقلها مترجمة للغة العربية، وفي إحدى زياراتي لمتحف تولستوي بموسكو عثرت في أرشيفه على مراسلات جمعته بالعديد من الشخصيات البارزة في عصره، مثل المهاتما غاندي.
في البداية تعجبت وتساءلت عما يمكن أن يجمع بين هذين العظيمين حتى يتراسلا، وبعد بحث اكتشفت أن البداية كانت عندما تواصل تولستوي مع بعض الشخصيات في الهند لدعم حركة التحرر من الاحتلال الإنجليزي، وكتب رسالته الشهيرة "رسالة إلى هندوسي" التي كان لها أبلغ الأثر على الزعيم غاندي.
أرسل غاندي رسالة إلى تولستوي ملتمسا دعمه لحركته، وهنا كانت البداية، وتولستوي من أنصار المقاومة السلمية للشر ونبذ العنف، وهو ما يتوافق مع فلسفة المهاتما غاندي التي اعتمدها في كفاحه لطرد الإنجليز من الهند.
وأطلق غاندي على المزرعة التي كان يدرب فيها كوادر حركته "مزرعة تولستوي"، ومقرها جوهانسبرج في جنوب أفريقيا.
هل هذا يعقل؟ رجلان يتراسلان لأجل الإنسانية في بداية القرن الـ20، في وقت لم يكن هناك وسائل اتصال متاحة، هدفهما فقط الحرية والعدل والإخاء.
لم يتردد تولستوي في تقديم الدعم لغاندي في سبيل حرية الشعب الهندي، وقد عرف عن تولستوي شجاعته حتى في مواجهة السلطة في روسيا لأجل حقوق الناس.
إن كتاب دولة الحب محاولة لتقديم قيم الحب والسلام ونبذ العنف من خلال تولستوي وغاندي، لأنهما يمثلان الفكرة والواقع الذي تحقق بالفعل، من خلالهما نرى أن تغيير البشرية للأفضل أمرا ممكنا وليس مستحيلا.
ألا تتفق معي أن كلاسيكيات الأدب الروسي استغرقت جهود الترجمة إلى العربية، في حين أن معرفتنا بالأدب الروسي الحديث تظل دون المطلوب؟
أتصور أن هذا أمر طبيعي، فالكلاسيكيات تعامل في كل دول العالم معاملة الكتب المقدسة، لكن العالم لا يتوقف، يظل يتحرك ويفكر ويبدع في كل وقت.
لذا، لا يجب الاكتفاء بالكلاسيكيات ومحاولة كشف المنتج الفكري والإبداعي المعاصر الذي لا يقل أهمية عن الكلاسيكيات، وعلينا الاعتراف بأن هناك مشكلة في عالمنا العربي.
وبخصوص الأدب الروسي، فقد كانت جهود الترجمة من البداية على عاتق الطرف الآخر، حيث تكفلت روسيا بمهمة ترجمة أدبها للغة العربية، مع بعض محاولات من جانب بعض الدول العربية، لكنها تبقى محاولات محدودة.
وبعد تراجع دعم روسيا للترجمة مع انهيار الاتحاد السوفيتي، صارت الترجمات عن الروسية نادرة، ربما تغير الأمر نسبيا في الفترة الأخيرة، لكن نحن في حاجة إلى دعم أكبر لترجمة المنتج الإبداعي الروسي للعربية والعكس أيضا.
ما المعايير التي تراعيها عند اختيار عمل ما لتترجمه عن الروسية إلى العربية؟
لا بد بالطبع أن يكون عملا مميزا، سواء من ناحية الشكل الفني أو المضمون، كما أفضل أن يتناول العمل قضية إنسانية بصدق وعمق.
وما مشاريعك القادمة في هذا السياق؟
أعكف الآن على الإعداد لترجمة روايات لكتاب مثل الراحل فلاديمير شاروف وزاخار بريليبين، إضافة لديوان شعر للشاعرة الروسية أولجا خوخلوفا.