مترجمون: تباين الأجور يهدد بأزمة في سوق النشر العربي
وزير الثقافة المصري الأسبق يؤكد أن أجور المترجمين في العالم العربي تواجه مشكلة بوجه عام، ويشير إلى أن المترجم لم يحصل على حقوقه بعد
في ظل انتعاش ملحوظ لحركة النشر والترجمة في العالم العربي خلال الفترة الأخيرة، يتكرر التساؤل حول وضع المترجم، وما يتقاضاه من أجر، وهل هو أجر عادل أم يخضع لمعايير وتقلبات سوق النشر.
وزادت مؤخرا شكاوى القراء من ارتفاع لاحظه البعض في أسعار الكتب المترجمة وهو ما برره بعض الناشرين بأنه جاء نتيجة لزيادة أجور المترجمين الذين باتوا متهمين بمساومة دور النشر الخاصة بعد أن وجدوا المزيد من الامتيازات المالية في العمل مع مؤسسات وكيانات رسمية منها مشروع "كلمة" في أبوظبي أو نقل المعارف في البحرين والمركز القومي للترجمة في مصر.
وبينما يرى المترجمون أن ما يتقاضونه من أجور يصنف تحت بند "أقل من العادل" يرى آخرون أنه بات أجرا مرتفعا، وقد يؤدي إلى أزمة تضر بالصناعة مستقبلا لأنه قد يدفع دور النشر الصغيرة والمتوسطة للاستعانة بمترجمين مبتدئين أو ليسوا على قدر عالٍ من الكفاءة والموهبة.
"العين الإخبارية" سألت عددا من المترجمين والناشرين عن وجهات نظرهم في هذا الملف، الذين أكدوا أن المترجم في العالم العربي لم يحصل على حقه حتى الآن.
ويقول الدكتور جابر عصفور، وزير الثقافة المصري الأسبق، مؤسس المركز القومي للترجمة: "أجور المترجمين في العالم العربي تواجه مشكلة بوجه عام، ولم يحصل المترجم على حقوقه بعد، خاصة أنه يقوم بجهد ضخم للغاية، ويلعب دور الوسيط بين المؤلف والقارئ، وإذا لم يؤد دوره كما ينبغي، فستكون هناك أزمة كبيرة".
ويتابع عصفور: "عندما أسسنا المشروع القومي للترجمة كنا نهتم بوضع المترجم ومنحه أجرًا مقبولًا، ولكن الأمر دائما يتعلق بالميزانية وما هو مسموح لك أن تدفعه لهذا المترجم، وبالنسبة لاتجاه بعض الدور العربية لمنح المترجمين أجورا ضخمة، فهو أمر يمكن أن يضر بالصناعة ويصب في صالحها في الوقت نفسه".
ويوضح عصفور: "إذا تعاملت هذه الدور باحترافية وعملت مع المترجم على الكتاب حتى نهايته خطوة بخطوة، ولم تنظر للأمر فقط بشكل مادي وحسب، سيخرج الأمر على نحو مختلف ومهم، وهذا يصب في مصلحة الترجمة".
وأضاف: "أما لو ظنت بعض الدور أنها تملك مالًا كبيرًا تستقدم به مترجمين لتتباهى فقط بهم وبأسمائهم دون النظر لقيمة المشروعات المترجمة وأهميتها، فهنا سيتحول الأمر إلى صراع لا فائدة منه".
ومن جهته يؤكد المترجم أحمد شافعي أن المترجم في العالم العربي لم يحصل على حقه حتى الآن، وأيًا كان الرقم الذي يتقاضاه أغلى مترجم الآن فإنه في النهاية لن يضمن له حقه الذي يستحقه نظير عمله في الكتاب.
ويتابع شافعي: "هناك مشروعات ترجمة في العالم العربي لعبت دورًا عظيمًا فيما مضى عندما كانت تدعم المترجم وتدعم الترجمة كمشروع، لكنها تحولت لطرف يريد أن ينتج هو مشروعاته الخاصة لتنافس دور النشر العربية الأخرى".
ويستكمل: "هذه كانت أزمة كبيرة حيث تم التركيز فقط على إنتاج مشروعات مترجمة لضمان الحضور وسط المشهد بغض النظر عن جودة وقيمة وأهمية هذه المشروعات من الأساس ومدى فاعليتها بشأن الترجمة كصناعة".
وتؤكد المترجمة العمانية ريم داوود أن الترجمة في العالم العربي تواجه أزمة فيما يتعلق باعتماد بعض الدور العربية على التعامل مع مترجمين بأرقام ضخمة.
وأشارت إلى أن هذه الفلسفة تؤدي في أحيان كثيرة لإنتاج مشروعات ليست مهمة أو يتم التعاقد على مشروعات للترجمة وتتم ترجمتها فعلًا لكنها تتأخر في النشر وتنتظر طويلا وربما لا تنشر أيضًا، وهنا تتحول النظرة لنظرة تجارية على نحو غير مقبول".
وتتابع ريم: "كمترجمة أحب أن أحصل على أكبر مقابل مادي ممكن وهذا أمر لا عيب فيه، ولكن في الوقت نفسه أحب للكتاب الذي ترجمته أن يطبع ويباع وينتشر ويتداوله القراء وهذا هو المكسب الأهم والأبقى"
وتضيف: "بالطبع المال مهم ولا أحد يقبل العمل مجانًا أو يرفض العمل بمقابل مادي ضعيف، لكن في النهاية لا بد أن يصل الكتاب للقارئ من ناحية، وأن يشعر المترجم بقيمة عمله وأهميته أيضًا".
وتشير ريم إلى أن هناك بعض دور النشر التي تراجع مع المترجم وتتابع معه العمل مرحلة بمرحلة، وتؤكد: "كلما كانت الدار احترافية ولديها فريق عمل متكامل وقوي استفادت واستفاد المترجم وخرج الكتاب في النهاية بصورة تليق بالجميع، وهذا مكسب أهم من المال ويضمن للكتاب البقاء لأطول فترة ممكنة لأنك لو أعطيتني رقمًا ضخمًا لأترجم كتابًا لا تهتم به ولا بطباعته أو تبيعه بسعر عالٍ للغاية لا يقدر أحد على شرائه، فأنا هنا لم أكسب شيئا".
وبدوره يقول الدكتور أنور مغيث، مدير المركز القومي للترجمة، إن التفاوت في أسعار المترجمين يعد ظاهرة عالمية لا تقتصر فقط على بلدان العالم العربي.
ويشير مدير المركز القومي للترجمة إلى أن المركز رفع أجر المترجم بنسبة 40% وتم العمل بذلك منذ شهر من الآن.
ويوضح: "من الجيد أن تتجه بعض دور النشر لرفع أجور المترجمين لأرقام كبيرة، ولكن بشرط أن تهتم بالمعادلة، وهي ألا يكون ذلك على حساب قيمة وجودة العمل المترجم، بمعنى ألا تهتم الدار مثلا بفكرة التواجد من أجل التواجد ومن أجل أن يكون لديها كتب مترجمة فقط، بل أن تدفع أجورًا كبيرة وتسير مع المترجم في عمله خطوة خطوة لتصل بالكتاب في النهاية للصورة الأفضل".