المترجم المصري يوسف نبيل: كلاسيكيات الأدب الروسي مجهولة عربيا
المترجم يوسف نبيل يقول إنه يسعى لإصلاح خلل في تلقي القارئ العربي أعمال تولستوي، ويؤكد أن قراء العربية لا يعرفون شيئا عن أعماله الفلسفية
قال المترجم المصري يوسف نبيل إن كلاسيكيات الأدب الروسي لا تزال مجهولة لدى القارئ العربي، ومنها رواية "حياتي - رجل من الريف" التي ترجمها مؤخراً لأنطون تشيكوف.
وتظهر الرواية لأول مرة مترجمة عن الروسية وليس الإنجليزية، إذ أشار نبيل إلى أنه يمتلك مشروعاً متكاملاً لنقل الأعمال الأدبية المهمة عن اللغة الروسية إلى العربية.
وأوضح، في حوار مع "العين الإخبارية"، أنه يسعى لإصلاح خلل في تلقي القارئ العربي لأعمال عملاق الفكر الإنساني تولستوى، حيث لا يعرف قراء العربية شيئاً عن أعماله الفلسفية والفكرية.
واعتبر نبيل، الذي تنشر ترجماته دور نشر مصرية وعربية عدة، ومنها ترجمات لتولستوي وتشيكوف وغيرهما، أن صدور ترجمته العربية لرواية تشيكوف تكتسب أهميتها لكونها المرة الأولى التي يتم نقلها عن الروسية مباشرةً، مقابل ترجمة قديمة للغاية بالإنجليزية..
وإلى نص الحوار:
- إلى أي حد يمثل كتابك الجديد حول أنطون تشيخوف إضافة إلى تراث هذا العبقري؟
غابت "حياتي - رجل من الريف" عن مجموعة الأعمال الرائعة المختارة في ترجمات الدكتور أبوبكر يوسف المكونة من 4 أجزاء، إذ لم يتم نقلها حسب علمي إلا ترجمة قديمة جداً للأستاذ منير بعلبكي، وكانت عن الإنجليزية، وللأسف غير متوفرة إطلاقاً، لذا حاولت أن أوفرها ثانيةً في ترجمة عن الروسية مباشرة.
- أليس غريبا أن كلاسيكيات الأدب الروسي لم تترجم بأكملها للعربية؟
ارتبطت أغلب ترجمات الأدب الروسي بمشروعات قديمة عدة وعلى رأسها ترجمات دار "التقدم" بموسكو.
وظلت دور النشر العربية تدور في فلك هذه الأعمال المترجمة قديماً مراراً وتكراراً دون البحث عن بقية أعمال هؤلاء الكُتَّاب، بل إن بعض الكُتَّاب الكلاسيكيين لم يُترجم لهم شيء تقريباً، نتيجة عملية استسهال من دور النشر وقلة عدد المترجمين عن اللغة الروسية واعتمادنا الكامل على ما يُنقل في الغرب من الأدب الروسي.
وأؤكد أن كلاسيكيات الأدب الروسي لا تزال مجهولة للقارئ العربي، ومنها الرواية التي ترجمتها مؤخراً لتشيكوف، والتي تظهر لأول مرة مترجمة عن الروسية وليس الإنجليزية.
وأمتلك مشروعاً متكاملاً لنقل الأعمال الأدبية المهمة عن اللغة الروسية إلى العربية.
- يبدو أننا كقراء عرب لم نقترب بما يكفي من عالم عملاق الأدب العالمي تولستوي الفكري، كيف تسعى لإصلاح هذا الخلل؟
عظمة شخصية تولستوي لا تعود فقط إلى أعماله الإبداعية بل لنشاطه الفكري والاجتماعي والسياسي، لذا من غير المفهوم أن نكتفي بترجمة أعماله الإبداعية.
أحاول إصلاح هذا الخلل بنشر سلسلة كاملة من أعماله الفكرية والفلسفية ضمن مشروع متكامل، وهو أمر تطلب مني بحثاً طويلاً ودراسة متأنية لعالمه الفكري والفلسفي، إضافة إلى البحث عن دار نشر تتبنى هذا المشروع كي يُنشر متسلسلاً.
بدأت بجمع بعض خطاباته ومقالاته من خلال كتابين "في الدين والعقل والفلسفة" و"في العلم والأخلاق والسياسة" ثم ترجمت كتابه الرائع: "طريق الحياة" وأعمل الآن على مشروع آخر ضخم لتولستوي يشمل أجزاء كثيرة.
- ما سر ولعك باختيار عناوين تترجم لأول مرة إلى العربية عن الروسية مباشرة؟
صحيح. أعمل في خطين متوازيين: أعمال تترجم لأول مرة لكُتَّاب معروفين عن الروسية مباشرة، وهذا ما فعلته مع تولستوي وميخائيل بولجاكوف مثلاً، كما أعمل على تقديم كُتَّاب روس مهمين لم تتم ترجمة إبداعاتهم من قبل، وهذا ما فعلته مع إسحاق بابل، وميخائيل زوشينكو.
- لكنك تتحفظ على بعض الترجمات للأدب الروسي نتيجة نقلها عن الفرنسية، لماذا؟
ليس لديَّ تحفظ عام على النقل من لغة وسيطة، فالأمر في النهاية مرهون بجودة الترجمة.. قرأت بعض الأعمال الروسية المترجمة عن لغة وسيطة وكانت ممتازة مثل ترجمات سامي الدروبي، وبعضها لم يكن بالمستوى المطلوب لمترجمين آخرين، ويبقى الأمر مرهوناً بالنتيجة، لكن بالطبع كلما زاد عدد المترجمين الذين يترجمون عن الأصل الروسي بكفاءة زادت فرصة تقديم أعمال جيدة، إضافة إلى أن المترجمين عن الروسية مباشرةً هم الذين بإمكانهم التنقيب بسهولة عن الأعمال الروسية الجيدة، فبعضها لم يترجم إلى الإنجليزية والفرنسية مثلاً، لذا نحن في حاجة إلى مترجمين عن اللغة الأصلية يمكنهم قراءة المشهد الأدبي والثقافي الروسي بعمق واختيار إنتاجات جيدة ومهمة حقاً.
- لماذا يتجاهل المترجمون الأجيال الجديدة على خارطة الإبداع الروسي ويركزون فقط على القديم؟
في مجال الترجمة عن الروسية مباشرة نحن نتحدث عن مجموعة قليلة جداً للأسف من المترجمين، لا تكفي لإنجاز العدد المطلوب من الترجمات.
وهناك ظاهرة أخرى لافتة وهي تباين المستوى الشديد بين الأدب الروسي في العصر الذهبي والفضي، والأدب الروسي المعاصر، فبعد أعوام طويلة من الحكم الشمولي الرهيب وقتل عدد كبير من الكُتَّاب والمبدعين تم القضاء تدريجياً على منابع الأدب الروسي، وتجفيف عملية الإبداع في جميع الفنون، لذا لم يكن من المتوقع بعد حقبة البيريسترويكا أن نجد إبداعات روسية عظيمة فجأة.
ولا يمكن مقارنة الأدب الروسي المعاصر رغم شهرة بعض أسمائه بالأدب الروسي في العصر الذهبي، حيث تطلب الأمر مرور أعوام طويلة حتى تظهر بعض الأسماء الشهيرة على الساحة الروسية الآن، يمكننا التعرف عليها.
ونلاحظ أن أغلب ترجمات الأدب الروسي كانت عن لغة وسيطة، لذا كان المترجمون يعتمدون على ما يُترجم في الغرب.
والآن ظهر بعض المترجمين الأجلاء الذين أخذوا على عاتقهم ترجمة أعمال معاصرة عن الأصل الروسي مباشرة.
- ما سبب التلاكيز على الإبداع الأدبي وتجاهل ترجمة فنون وعلوم الأمة الروسية؟
المجالات المتخصصة تحتاج إلى مترجمين متخصصين أيضاً، فعلى سبيل المثال لا يمكن لمترجم لم يتلقَ دراسة عملية أن ينقل دراسة علمية روسية، ولا يمكن لمترجم غير محتك بقوة مع فنون الموسيقى أو الرسم أن يترجم أعمالاً في هذه المجالات، وإن كنا نتحدث عن قلة عدد المترجمين عن الروسية بشكل عام، فلا بد إذن وأن يكون عدد المترجمين المتخصصين منهم في هذه المجالات قليل جداً إن وُجِد من الأساس.. هذا فضلاً عن صعوبة العثور على دار نشر تتحمس لمثل هذه المشاريع.
وبصورة شخصية حاولت عدم التركيز على الأعمال الأدبية فقط، لذا قدمت إنتاجات فكرية وفلسفية، وأتمنى أن أقدّم المزيد منها مع الوقت.