اشتباكات مليشيات طرابلس تحطم حياة سوداني.. شلل واكتئاب
تتزايد معاناة طالبي اللجوء في ليبيا يوما بعد الآخر، جراء اشتباكات المليشيات التي تسيطر على العاصمة طرابلس بالأسلحة الثقيلة.
طالب اللجوء السوداني محمد، البالغ من العمر 22 عامًا، كانت حياته اليومية على موعد مع التغيير للأبد، بسبب تصارع تلك المليشيات التي توفر لها أنقرة دعمًا عسكريًا من خلال المرتزقة والسلاح، في حين تحتمي سياسيًا بحكومة غير شرعية يقودها فايز السراج.
قذيفة تشل حياته
فالشاب أصر هو وشقيقه يوسف على البقاء في منزل العائلة المستأجر في حي الهضبة الواقع في العاصمة الليبية طرابلس للاهتمام به، بينما انتقل والداهما وشقيقاتهما إلى منطقة أكثر أماناً في المدينة هرباً من الاشتباكات التي تدور رحاها بين الحين والآخر.
وبينما كان يوسف، البالغ من العمر 17 عاماً، ذاهبًا لشراء الخبز، هز المنزل انفجار وتعرض محمد، الذي كان مستلقياً على سريره، لإصابات بعدة شظايا استقرت في عموده الفقري.
بعد نقله إلى المستشفى، خضع محمد لعملية جراحية لإدخال قضبان معدنية في فقراته، إلا أن الإصابات التي لحقت به تسببت بإعاقات شديدة، جعلته غير قادر على تحريك الجزء السفلي من جسده.
تغيير جذري
الشقيقة الكبرى لمحمد وتدعى خولة قالت في تصريحات للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين: "لقد تغير تماماً منذ وقوع الحادث. من قبل، كان نشيطاً للغاية، وكانت الابتسامة تعلو دائماً على وجهه ويتحلى بالثقة وكان اجتماعياً. أما الآن، فهو في المنزل ولا يريد رؤيتنا أو رؤية أي شخص آخر. لا يريد أن يرى شفقة الناس عليه".
وتسببت إصابة محمد في إلقاء ضغوط شديدة على عائلته، والتي اضطرت للفرار إلى ليبيا قبل 4 سنوات هرباً من القتال في دارفور في السودان، والذي تعرض خلاله منزلهم للحريق بالكامل.
وتقول مفوضية اللاجئين إن أدوية محمد ومسكناته باهظة الثمن، مشيرة إلى أن عائلته تجد صعوبة في تحمل تكاليف جلسات العلاج الطبيعي الخاصة الإضافية التي يقول الأطباء إنها ستساعده في إعادة تأهيله.
وتعمل اثنتان من شقيقاته وشقيقه الأكبر للمساعدة في تغطية إيجار المنزل والنفقات المعيشية الأساسية، لكن ذلك صراع دائم، بحسب المفوضية التي وفرت للأسرة حزم مساعدات غذائية، ومواد غير غذائية، ومستلزمات نظافة، ومساعدات نقدية لتغطية الإيجار والضروريات الأخرى.
مساعدة أممية
وعلى مدى الأشهر القليلة الماضية، يتلقى محمد مساعدة متخصصة من الشريك المحلي للمفوضية، منظمة "هانديكاب إنترناشونال"، يشمل جلسات العلاج الطبيعي والإرشاد النفسي والاجتماعي، والتي يتم إجراء بعضها عن بُعد عبر الهاتف، بسبب إجراءات السلامة الخاصة بفيروس كورونا.
كما وفرت المنظمة لمحمد كرسياً متحركاً جديداً وتدريباً على كيفية استخدامه، حيث تم ذلك في فناء نادٍ للأشخاص من ذوي الإعاقة في طرابلس، لضمان تطبيق إرشادات الصحة والسلامة مع استمرار حالات فيروس كورونا في الارتفاع في ليبيا.
شعور جيد
وسيوفر الكرسي المتحرك لمحمد قدراً أكبر من الحركة بالإضافة إلى الدافع المعنوي الذي يحتاج إليه بشدة، فيما يستعيد بعضاً من استقلاليته، حيث كان في أغلب الأحيان مستلقياً على سريره ويعتمد على أخيه الأصغر يوسف للقيام بالمهام اليومية مثل الاستحمام.
وقال محمد، بعد إجراء اختبار للكرسي المتحرك حول فناء النادي: "إنه شعور جيد، الحمد لله!. سيساعدني ذلك على الدخول والخروج من السرير بمفردي، على عكس ما كان يحدث من قبل عندما كان أخي يضطر لرفعي. سأخفف الأعباء عن أخي وسأعتمد على نفسي. يمكنني الخروج أكثر والجلوس مع أصدقائي وسوف تتحسن حياتي".
نقطة حرجة
وقبل إصابته، كان محمد يستمتع بلعب كرة القدم ويذهب إلى صالة الألعاب الرياضية بانتظام. بعد مشاهدة مستخدمي الكراسي المتحركة الآخرين في النادي يلعبون كرة السلة، فكر محمد لأول مرة منذ إعاقته في إمكانية العودة لأسلوب حياته النشط.
وعلى الرغم من الصعوبات التي لا تزال الأسرة تواجهها، والتحديات التي تنتظر محمد، تعتقد والدته حفصة أن ابنها قد تجاوز نقطة حرجة بفضل الدعم الذي تلقاه، قائلة: حالته في تحسن كل يوم ونحن سعداء لرؤية ذلك. يساعده الكرسي المتحرك في أن يساعد نفسه. ومع وجود الاهتمام والعناية، آمل أن تسير الأمور نحو الأفضل".
وفقاً لخطة الاستجابة الإنسانية الخاصة بليبيا لعام 2020، فإن من بين حوالي 900 ألف شخص ممن هم بحاجة إلى مساعدة إنسانية داخل البلاد، هناك 15% منهم تقريباً في عداد الأشخاص من ذوي الإعاقة، أي ما يعادل حوالي 134 ألف شخص، حيث يواجهون العديد من الصعوبات، بحسب مفوضية اللاجئين.
صعوبات يومية
وقال مفتاح الحويل، مساعد مسؤول الصحة العامة في المفوضية، في طرابلس: "يمكن أن يواجه الأشخاص ذوو الإعاقة، حتى بشكل يومي، صعوبات في الوصول إلى الخدمات اليومية أو المرافق أو المدارس على كرسي متحرك".
وأضاف: "من خلال ربط اللاجئين بالخدمات المتاحة لتزويدهم بالدعم الجسدي والنفسي، نأمل أن نساعدهم على اتخاذ خطوات للأمام نحو اعتمادهم على النفس - للمشاركة والمساهمة في مجتمعهم. يمكن أن يشعروا في كثير من الأحيان بأنهم مستبعدون من الحصول على الفرص، ولكن مثل أي شخص آخر، فإن لديهم القدرات ويمكنهم المساهمة بعدة طرق مختلفة في مجتمعاتهم".
وقالت كاميلا سالم، الموظفة النفسية والاجتماعية في منظمة "هانديكاب إنترناشونال": "نريد أن نعيد له الأمل ونظهر له أن حياته لم تنته بعد. يمكنه إعادة بناء حياته والتكيف من جديد، خاصة عندما يرى أشخاصًا آخرين مثله هنا في المركز وهم يشاركون في الأنشطة الرياضية".
aXA6IDE4LjIyNy40OS43MyA= جزيرة ام اند امز