ترامب يعيد معركة التعداد السكاني.. إحصاء معدّل يغير موازين القوة في أمريكا

مع بدء الاستعدادات لتعداد عام 2030 في الولايات المتحدة، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اليوم الخميس أنه وجه إدارته لبدء العمل على تعداد جديد.
ووفقا لمنشور لترامب على مواقع التواصل الاجتماعي، سيستثني هذا التعداد ملايين الأشخاص الذين يعيشون في البلاد بدون وضع قانوني، وهو تغيير غير مسبوق في طريقة إجراء البلاد لتعداد السكان منذ أول تعداد سكاني أمريكي عام 1790.
وفقا لهية الإذاعة العامة الأمريكية "NPR"، ينص التعديل الرابع عشر على إدراج "العدد الإجمالي للأشخاص في كل ولاية" ضمن مجموعة رئيسية من أرقام التعداد السكاني المستخدمة لتحديد كيفية انتخاب الرؤساء وأعضاء الكونغرس.
ليس من الواضح ما إذا كان ترامب الذي لا يملك، وفقا للدستور، السلطة النهائية على التعداد السكاني يشير إلى التعداد الوطني المقرر دوريا في عام 2030 أم إلى إحصاء سابق.
صرح ترامب بأنه وجه وزارة التجارة، المشرفة على مكتب الإحصاء، "بالبدء فورا" في إجراء تعداد سكاني باستخدام "النتائج والمعلومات المستمدة من الانتخابات الرئاسية لعام 2024". ومن غير الواضح سبب أهمية نتائج الانتخابات للتعداد السكاني.
لم تستجب المكاتب الصحفية للبيت الأبيض ووزارة التجارة ومكتب الإحصاء فورا لطلبات الإذاعة الوطنية العامة للتعليق.
تخول المادة 1 من الدستور الكونغرس وليس الرئيس بإجراء "التعداد الفعلي" لسكان البلاد "بالطريقة التي يوجه بها القانون". وفي الباب 13 من قانون الولايات المتحدة، وجه الكونغرس وزير التجارة لاتباع جدول زمني للتعداد السكاني يجرى مرة كل 10 سنوات.
بموجب القانون نفسه، يحق لوزير التجارة إجراء تعداد سكاني منتصف العقد، أي في عام 2025، ولكن لا يمكن استخدام النتائج لإعادة توزيع حصة كل ولاية من مقاعد مجلس النواب الأمريكي وأصوات المجمع الانتخابي. كما يحدد القانون موعدا نهائيا، انقضى منذ فترة طويلة، لتقديم تقرير إلى الكونغرس حول مواضيع أسئلة تعداد عام 2025.
مع ذلك، في حين أن الدستور يشترط إجراء تعداد سكاني كل 10 سنوات لإعادة توزيع مقاعد الكونغرس التي تجرى مرة كل عقد، فإنه ليس من الواضح ما إذا كان من الممكن استخدام نتائج إحصاء سكاني في منتصف العقد باستخدام تاريخ تعداد مختلف لإعادة توزيع حصة كل ولاية من مقاعد مجلس النواب وأصوات المجمع الانتخابي.
يبدو أن مشروع قانون في مجلس النواب، قدمته النائبة مارجوري تايلور غرين، الجمهورية من جورجيا، الشهر الماضي، يتماشى مع دعوة ترامب الجديدة للتعداد السكاني. ويدعو هذا القانون ليس فقط إلى استبعاد غير المواطنين من أرقام التوزيع، بل أيضا إلى إجراء تعداد سكاني جديد وجولة من إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية للكونغرس قبل انتخابات التجديد النصفي لعام 2026.
عند سؤاله عن مشروع القانون، قال ترامب: "سيقر. سيقر، وسنكون سعداء للغاية".
هذا العام، أعاد جمهوريون آخرون في الكونغرس طرح مشاريع قوانين تدعو إلى استبعاد الأشخاص الذين لا يملكون وضعا قانونيا أو جميع الأشخاص الذين لا يحملون الجنسية الأمريكية، بمن فيهم حاملو البطاقة الخضراء، من تعداد السكان المقرر إجراؤه بانتظام لعام 2030.
تأتي تعليقات ترامب بشأن التعداد السكاني يوم الخميس أيضا بعد حثه العلني للحزب الجمهوري على محاولة الحصول على المزيد من المقاعد في مجلس النواب الأمريكي بعد انتخابات التجديد النصفي العام المقبل من خلال إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية.
وقد أشعلت مناورة الحزب الجمهوري لإعادة رسم خريطة الكونغرس في تكساس معركة سياسية وطنية، حيث يعد الديمقراطيون في ولايات أخرى ردودا محتملة، بما في ذلك التلاعب الحزبي في تقسيم الدوائر الانتخابية.
يخوض مكتب الإحصاء حاليا عملية طويلة تستغرق سنوات للاستعداد لتعداد عام 2030. وفي الشهر الماضي، أصدرت الوزارة النسخة الأولى من خطتها التشغيلية لهذا التعداد، ومن المقرر أن تبدأ هذا الخريف في توظيف عمال مؤقتين لتنفيذ "اختبار تعداد 2026"، وهو اختبار ميداني رئيسي لخططها لعام 2030 المقرر إجراؤه في 6 مناطق في الجنوب والغرب.
أُوقفت محاولة ترامب في تعداد 2020 لاستبعاد الأشخاص الذين لا يحملون إقامة قانونية. وتجدد هذه المساعي جهودا مماثلة بذلتها إدارته الأولى، والتي أثارت معارك قانونية.
وأوقفت المحكمة العليا الأمريكية في نهاية المطاف إضافة سؤال حول وضع الجنسية الأمريكية للشخص إلى نماذج تعداد 2020، لكنها رفضت البت في إمكانية استبعاد الرئيس للأشخاص الذين لا يحملون إقامة قانونية من إحصاءات التوزيع، وذلك لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة.
أكد الرئيس السابق جو بايدن الممارسة المتبعة منذ فترة طويلة والمتمثلة في إدراج العدد الإجمالي للأشخاص المقيمين في الولايات في تلك الإحصاءات بأمر تنفيذي صدر عام 2021، والذي ألغاه ترامب في اليوم الأول من ولايته الثانية.
لم يجر مكتب الإحصاء بعد اختبارا لاستخدام التعداد السكاني للاستفسار عن حالة الهجرة الخاصة بالشخص.
لكن تظهر أبحاث المكتب أن استخدام الحكومة الفيدرالية للإحصاء، الذي تجريه مرة كل عقد، لطرح سؤال "هل هذا الشخص مواطن أمريكي؟" من المرجح أن ينتج بيانات ذاتية مضللة، ويثني العديد من الأسر التي تضم سكانا من أصل لاتيني أو أمريكي آسيوي عن إدراجها في إجماليات السكان الرسمية، والتي تستخدم أيضا لتقسيم تريليونات الدولارات من التمويل الفيدرالي للخدمات العامة في المجتمعات المحلية في جميع أنحاء البلاد.
كما حذر باحثو المكتب من أن محاولة إنتاج بيانات جنسية على مستوى الأحياء باستخدام سؤال تعداد سكاني جديد ستكون "مكلفة للغاية"، وستضر بجودة الإحصاءات الديموغرافية الأخرى التي ينتجها التعداد، وستنتج بيانات "أقل دقة بكثير" من المعلومات المتاحة من السجلات الحكومية الحالية حول حالة جنسية الأفراد.
وقد وجدت المحكمة العليا أن المبرر المعلن لإدارة ترامب الأولى لسؤال الجنسية في التعداد السكاني لتعزيز حقوق التصويت للأقليات العرقية يبدو "مفتعلا". ونتيجة لذلك، أصدر ترامب أمرا تنفيذيا في عام 2019 حدد فيه أسبابا أخرى لإنتاج بيانات المواطنة التي ستكون أكثر تفصيلا من التقديرات التي يصدرها المكتب بالفعل.
شملت هذه التوصيات وضع سياسات الهجرة وقواعد الأهلية للمزايا العامة، وإحصاء الأشخاص في الولايات المتحدة ممن لا يحملون إقامة قانونية. ومن الأسباب الأخرى التي حددها الأمر السماح لحكومات الولايات والحكومات المحلية بترسيم دوائر انتخابية لا تأخذ في الاعتبار الأطفال والمواطنين غير الأمريكيين.
وخلص تقرير صدر عام 2015 عن خبير استراتيجي جمهوري في إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية إلى أن هذا التحول الجذري عن ممارسات إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية الحالية سيكون "مفيدا للجمهوريين والبيض غير اللاتينيين". ولا تزال شرعيته مسألة مفتوحة أمام المحكمة العليا.
وأكدت مذكرة رئاسية صدرت عام 2020 في نهاية المطاف هدفا آخر لجهود ترامب الأولى لطرح سؤال الجنسية وهو بيانات من شأنها أن تسمح باستبعاد غير مسبوق للمهاجرين في الولايات المتحدة ممن لا يحملون إقامة قانونية مما يعرف بإحصاءات توزيع الأصوات في الكونغرس.
قد تثير أحدث محاولات ترامب لتغيير التعداد السكاني المزيد من الدعاوى القضائية.
ويأتي هذا الإجراء أيضا في أعقاب أوامر تنفيذية شاملة أصدرها ترامب بهدف الحد من الهجرة غير الشرعية وتوسيع نطاق متطلبات إثبات الجنسية الأمريكية عند التسجيل للتصويت.
ومن المتوقع أن تواجه أحدث محاولات إدارة ترامب لتغيير التعداد السكاني دعاوى قضائية.
بالإضافة إلى ذلك، إذا كان ترامب يشير إلى تعداد عام 2030، فيقول خبراء قانونيون إن خليفته أو الكونغرس قد يتاح لهما في عام 2029 فرصة التخلص من أي سؤال إضافي حول حالة الهجرة الخاصة بالشخص قبل طباعته على النماذج الورقية لتعداد عام 2030.
ومع ذلك، فإن تركيز إدارة ترامب المُتجدد على استبعاد المقيمين الأمريكيين غير القانونيين من التعداد السكاني قد يغذي عزوف الجمهور عن المشاركة في التعداد الوطني، وخاصة بين الجاليات المهاجرة واللاتينية.
بينما شدد المسؤولون في إدارة ترامب الأولى مرارا على أن بعض التعدادات الوطنية السابقة قد سألت عن وضع الجنسية الأمريكية للأشخاص، فإن سجلات التعداد السكاني التي تعود إلى عام 1820 تظهر أن اقتراح ترامب يخالف قرونا من السوابق.
لم يسبق للحكومة الفيدرالية أن استخدمت التعداد السكاني للسؤال مباشرة عن وضع الجنسية لكل شخص يعيش في كل منزل في الولايات المتحدة.