«ريفييرا غزة».. اقتراح رأسمالي بحت في عصر التنمية المدفوعة بالأرباح
![الرئيس الأمريكي دونالد ترامب](https://cdn.al-ain.com/lg/images/2025/2/09/147-171135-trump-gaza-real-estate_700x400.jpg)
يرى بيتر بلووم، الأستاذ بجامعة ايسيكس البريطانية، أن اقتراح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأخير بشأن "ريفييرا غزة" لا يعيد تشكيل الجغرافيا السياسية فحسب، بل يعزز أيضًا أنماط التهجير والتنمية المدفوعة بالأرباح التي طالما ميزت الرأسمالية.
وكتب بلووم في مقال نشره موقع "كومن دريمز دوت اورج"، إنه من نواحٍ عديدة، يعد اقتراح ترامب النموذج الأكثر وضوحًا لطرح فكرة نمت ضمن الأطر الإمبريالية: أن الأرض هي سلعة يجب تطويرها، وغالبًا على حساب الناس الذين يعيشون عليها.
وبحسب بلووم، يمتد الاستعمار المدفوع بالتوسع العقاري إلى ما هو أبعد من غزة، حيث يظهر في إعادة تأهيل المدن، والاستيلاء على الأراضي المدفوع بالموارد، والسياسات الاقتصادية الدولية التي تعطي الأولوية للأرباح على حساب الناس.
وترامب، من خلال تقديم نفسه كقائد سياسي وقطب عقاري، يعرض رؤية مقلقة للمستقبل حيث يتم استخدام السلطة الحكومية لإخلاء الأراضي لصالح الشركات الخاصة.
خطة ترامب
تقدم خطة ترامب لغزة نفسها كخطة للسلام، لكن منطقها الكامن يكشف عن أجندة تعطي الأولوية للفرص الاقتصادية للمطورين الخاصين على حساب الفلسطينيين.
ووفقًا للتقارير، يتصور ترامب مستقبلًا يتم فيه تحويل غزة إلى مركز عقاري مربح للبحر الأبيض المتوسط، مع استبدال بنيتها التحتية المدمرة بفنادق وكازينوهات ومشروعات تجارية. أما الشرط المسبق لهذا التحول فهو التهجير الجماعي لحوالي مليوني فلسطيني يعيشون هناك حاليًا.
وتشير الخطة إلى رغبة في طرد قسري لشعب بأسره لإفساح المجال لبيئة حضرية جديدة صديقة للشركات. وهذا يشبه منطق المشاريع الاستعمارية الاستيطانية التاريخية، حيث تم إزالة السكان الأصليين لإفساح المجال للتوسع الاقتصادي والإقليمي. وخطة ترامب لغزة ليست مجرد تنمية؛ إنها رؤية عالمية تعتبر الأرض قيمة، لكن الناس الذين يعيشون عليها ليسوا كذلك.
أصل اقتصادي غير مستغل
أما تقديم ترامب للخطة باعتبارها فرصة اقتصادية بدلاً من أزمة إنسانية فهو المفتاح لفهم الأسس الأيديولوجية لها. وقال بلووم إنه من الواضح أنه يرى غزة كما وصفها أحد المعلقين بأنها "عقار رئيسي" وبكلمات ترامب "موقع رائع على البحر.. بأفضل طقس." هذه اللغة تجعل من الواضح أنه يرى المنطقة ليس كمنزل لملايين الأشخاص، بل كأصل اقتصادي غير مستغل.
وعلاوة على ذلك، تتناسب الخطة مع نمط أكبر في رؤية ترامب للعالم، حيث يتم ربط السلام والاستقرار بالتطوير التجاري بدلاً من العدالة أو تقرير المصير. وفكرة أن الاستثمار الاقتصادي يمكن أن يحل النزاعات السياسية المتجذرة هي سمة من سمات الفكر النيوليبرالي، لكن في هذه الحالة، يتم استخدامها كغطاء لعملية عنيفة من الطرد وإعادة البناء. وباختصار، رؤية ترامب لغزة هي رؤية يتم فيها جني أرباح ضخمة من تدمير وتهجير شعب بأسره، بدعم من القوة الحكومية الأمريكية.
قطب عقاري
ونهج ترامب تجاه غزة ليس شذوذاً، بل هو تجسيد لاتجاه أوسع حيث تُعبّر الطموحات الاستعمارية بشكل متزايد من خلال التنمية الخاصة. ويظهر ذلك بوضوح في تاريخ ترامب نفسه كمطور عقاري ورجل أعمال، وهو خلفية تؤثر بعمق في نهجه السياسي. على مدار مسيرته، سعى ترامب إلى مشاريع إعادة تطوير ضخمة غالبًا ما تضمنت تهجير المجتمعات القائمة لصالح الممتلكات الفاخرة. سواء في نيويورك أو أتلانتيك سيتي أو فلوريدا، كان نموذج أعماله يتسم بإعادة التأهيل العدوانية، وتعكس سياساته كرئيس نفس العقلية على نطاق عالمي.
هذا النوع من الإمبريالية المدفوعة بالعقارات له تطور عبر الزمن ليستبدل الحكم الاستعماري الصريح، بممارسة الدول نفوذها من خلال السياسات الاقتصادية، وتطوير العقارات، والمضاربات المالية. ورؤية ترامب لغزة تجسد هذا التحول. واقتراحه ليس مُؤطرًا من حيث الاحتلال العسكري المباشر، بل من حيث الفرصة الاقتصادية. فهو استبدال آليات السيطرة التقليدية بمنطق الاستثمار الخاص. ولهذا التحول تبعات كبيرة في كيفية إدارة وحل النزاعات العالمية. بشكل متزايد، يتم النظر إلى الحروب والأزمات ليس كحالات طوارئ إنسانية، بل كفرص تجارية. هنا، يقترح التهجير "المؤقت" للفلسطينيين باسم تحويل المنطقة إلى "ريفيرا الشرق الأوسط".
خطة ترامب لغزة ليست مجرد تنمية؛ إنها رؤية للعالم حيث تعتبر الأرض قيمة، لكن الناس الذين يعيشون عليها ليسوا كذلك. هي امتداد مباشر لمنطق الرأسمالية، التي تعطي الأولوية للأرباح على حساب الناس وغالبًا ما ترى المجتمعات البشرية كعقبات أمام النمو الاقتصادي.
هذه الرؤية تحول المجتمعات بأكملها إلى مجرد أصول عقارية، ومن خلال ذلك، تعيد تعريف معنى السيادة، والمواطنة، وحقوق الإنسان.
وفي حالة غزة، فإن هذه المسألة لا تتعلق فقط بتحويل الأرض إلى سلعة؛ بل تتعلق بتعزيز هرمية حيث تُعتبر بعض الشعوب قابلة للتجاهل بينما يتم تفضيل الأخرى باعتبارها المستفيدين الشرعيين من التنمية.
aXA6IDMuMTM4LjEyNC40MCA= جزيرة ام اند امز