لا توجد مصلحة للعالم في ترك الحرس الثوري الإيراني يعربد في المنطقة ويقود حرب المليشيات في سوريا والعراق ولبنان واليمن
ننتظر.. والعالم أيضاً يترقب نتائج قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مواجهة إيران، بعد أن أعلن أمس إعادة النظر في الاتفاق النووي مع إيران، واعتبر أن إيران خرقت روح الاتفاق، وأنه ليس في مصلحة أمن الولايات المتحدة ولا بد من تعديله.
وقد سارعت السعودية والإمارات بشجاعة إلى مساندة القرار الأمريكي لأنه يصب في مصلحة المنطقة ويرسل رسالة سياسية لإيران -أخيراً- أن عليها أن تتوقف عن معاركها وتهديداتها، والقرار أيضاً في صالح قوى الاعتدال داخل إيران، عسى أن يلجم الجماعات المتطرفة في الحكم.
القرار الأمريكي شجاع لم نرَ مثله منذ عقدين، ويمكن أن يكون بداية تصحيح إقليمية أو على الأقل وقف الزحف الإيراني، بقراره يصحح الرئيس ترامب مجموعة أخطاء اعتبرتها إيران موافقات ضمنية بأن تتمدد وتهدد أمن المنطقة ومصالح الولايات المتحدة أيضاً، في البحرين والعراق واليمن وسوريا ولبنان. وهي ظنت أن التراجع الدولي في سوريا لها ولحزب الله علامة انتصار جديدة، كما حاولت الاستفادة من الحرب الأمريكية مع التحالف ضد «داعش» الإرهابية على أنه يمنحها كل بلاد الرافدين.
ترامب ليس متعجلاً كما يقال، لا تنسوا أنه سبق له أن صبر على إيران، ووقّع على استمرار الاتفاق مرتين، حيث يفترض أن يراجعه كل ثلاثة أشهر، إلا أن إيران لم تُبْدِ أي تعاون مع واشنطن، سواء في وقف نشاطاتها العسكرية في المنطقة ولا في الامتناع عن تجاربها العسكرية، بل تحدتها وأعلنت عن تطويرها منظومة الصواريخ الباليستية، هذه المرة حسم أمره، ويوجه بذلك أكبر ضربة للجناح المتطرف في إيران، به يعيد الاتفاق للتصويت عليه في الكونجرس، ثم يعيد فرض العقوبات الاقتصادية الموجعة، ولتفعل حكومة طهران ما تشاء.
لا توجد مصلحة للعالم في ترك الحرس الثوري الإيراني يعربد في المنطقة، ويقود حرب الميليشيات في سوريا والعراق ولبنان واليمن. بانتهاء فترة الحظر المؤقتة وفق الاتفاق، ستكون إيران قد تمددت في المنطقة ونصبت حكومات عميلة لها، ولن يستطيع الغرب حينها فرض عقوبات ولا منعها من التخصيب
بقية الدول الغربية ضد قرار ترامب؛ تريد أن يستمر الاتفاق بحجة أنها تخشى أن تعود إيران إلى تخصيب اليورانيوم وتطوير قوتها العسكرية، في الواقع ما يطرحه الرئيس ترامب صحيح، فهو يشتكي من أن الاتفاق لا يمنع إيران من مشروعها النووي العسكري بل يؤجله فقط، ففي فترة الحظر المؤقتة على التخصيب يسمح لها ببناء تجهيزاتها العسكرية، مثل الصواريخ الناقلة للرؤوس النووية.
لا نقلل من خطورة قرار ترامب ولا من مضاعفاته على المنطقة، فإن مزق الرئيس الأمريكي الاتفاق بشكل كامل وواجه إيران، فقد يفتتح مرحلة أوسع من المواجهة.
وليس صحيحاً ما يُتهم به الرئيس ترامب من أنه داعية حرب متهور، يقرر بلا تقدير للعواقب حيال قضايا عالمية خطيرة مثل إيران وكوريا الشمالية، الحقيقة أنه منح حكام طهران فرصتين منذ توليه الرئاسة للتفاعل إيجابياً بشأن الاتفاق لكنهم في المقابل لم يقابلوه في منتصف الطريق، أيضاً لا ننسى أن أعضاء حزبه، الحزب الجمهوري، في الكونجرس على إجماع ضد الاتفاق حتى قبل أن يصل ترامب إلى الرئاسة، ومن الواضح أن طهران استسهلت ترامب، بعد أن عاشت ثماني سنوات مريحة خلال رئاسة سلفه باراك أوباما، الذي ترك لها الحبل على الغارب.
لا توجد مصلحة للعالم في ترك الحرس الثوري الإيراني يعربد في المنطقة، ويقود حرب المليشيات في سوريا والعراق ولبنان واليمن، بانتهاء فترة الحظر المؤقتة وفق الاتفاق ستكون إيران قد تمددت في المنطقة ونصبت حكومات عميلة لها، ولن يستطيع الغرب حينها فرض عقوبات ولا منعها من التخصيب، وتكون قد أنهت بناء منظومة الدعم من منصات ومختبرات ومخابئ وغيرها.
مشروع إيران توسعي وهيمنة على المنطقة وليس مجرد بناء قدراتها النووية لأغراض دفاعية، فالهند وباكستان، مثلاً، تملكان سلاحاً نووياً ضمن توازن القوتين في جنوب آسيا، ومنذ ذلك اليوم لم يحدث قط أن رأينا البلدين يسعيان للتمدد ولا خوض الحروب. ومن الخطأ قراءة مشروع إيران النووي على أنه مجرد رغبة للحاق بركب نادي الدول النووية. فإيران، يومياً، في معارك عسكرية مدمرة في المنطقة، ليس بينها حاجة دفاعية لها، بل كلها نشاطات توسعية.
وتتضح نوايا طهران وإصرارها على تحديها العالم من معالجتها الخلاف الحالي مع واشنطن، تنازلت الإدارة الأمريكية لها في سوريا، ورضيت بالإبقاء على نظام حليفها بشار الأسد، مع هذا لم تُبْدِ طهران أي تراجع في أي مكان آخر تخوض فيه حروبها، ولم تعطِ ترامب أي تنازلات في الاتفاق النووي.
نقلا عن "الشرق الأوسط"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة