الواقع يقول إنه لا مكان لـ”الإخوان” في المشهد السياسي المصري وأيضاً العربي، ومخطئ من يظن أن مصر باستطاعتها استيعاب جماعة الإخوان
بكل تأكيد أستطيع أن أقول إن انقلاب المواقف الذي اتخذته حركة حماس مؤخرا، ورضوخها للمصالحة الداخلية الفلسطينية، برعاية مصرية، بل إعـلان حل لجنتها الإدارية في قطاع غزة، لابد أن يتم التعامل معه في سياق التغيرات الإقليمية الراهنة، ونسقها النظـري والعملي، الذي قلب الأوضاع رأسا على عقب، ووجَه ضربة معنوية هائلة لقواعد جماعة الإخوان المسلمين وتنظيمها الدولي ستظهر نتائجها اللاحقة تباعا.
وإذا كان السؤال عن مدى الصدق الحمساوي في توجهه الأخير بعد قرابة عشر سنوات من المراوغة، يعني إنهاء حلم “الإمارة الإسلامية” في غزة، كجزء أو نواة من المشروع الإخواني الكبير المسمَّى “الخلافة الإسلامية” أم هو تنازل تكتيكي فرضته الأزمة الحمساوية ذاتها، والتي نتج عنها تغيير ميثاقها ومن قلب “دوحة الإرهاب” في قطر قبل أشهر، وتحديدا في إبريل 2017، متبوع بتغيير قيادتها- فإن الإجابة في تقديري، لا تخرج عن نتيجة واحدة، وهي فشل مشروع كامل، بدأ نزيفه بعد إسقاط المشروع الإخواني في المنطقة، عبر مصر، ومن ثم استوعب درسه الجناح الغربي إخوانيا في تونس عبر حركة النهضة التي قرأت السيناريو “الوجودي” جيدا، لذا حافظت على بقائها بشكل أو بآخر في العملية السياسية، ومنحت نفسها قبلة الحياة على الساحة، فيما “قاوم” التنظيم الأم (جماعة الإخوان) طويلا، ومعه جناحه الشرقي (حركة حماس) على أمل أن تتحول الأوهام القديمة إلى معادلات جديدة على الأرض، يتم من خلالها إحياء المشروع بأكمله.. وهذا ما لم يحدث ولن يحدث.
"بغض النظر عن قراءة التحول الأخير لحماس؛ إما باعتباره من باب التناقضات أو الخلل، وإما باعتباره “مراجعات” حقيقية أو “تقيَّة” سياسية.. إلا أن هذا التحول لا يمكن تجاهله استراتيجياً على مداه الأبعد، والمتعلق بطبيعة مستقبل جماعة الإخوان ذاتها والتي وصلت إلى ما يمكن اعتباره الحالة الصفرية في رهاناتها البائسة والفاشلة"
أهمية التقلب الحمساوي، أنه أفرز حالة من العداء الشديد داخل الهياكل الإخوانية وبالتحديد قواعدها الرئيسية، التي رأت في التقارب مع مصر، وتحديدا نظامها، طعنة في الظهر وانتكاسة غير مسبوقة تصل حدَّ الخيانة وربما الرجم على الطريقة الإسلامية الإخوانية.
وبالتالي وجدت الحركة نفسها في مرمى النيران الصديقة و“العشيقة”، وما المصالحة التي تم الاتفاق عليها إلا إقرار ضمني بتحول حماس من “حركة مقاومة إسلامية” إلى مجرد حركة سياسية تتناغم مع الأدوات الفلسطينية ذاتها، ومن ثم الأدوات الإقليمية، وبالتالي بات عليها أن تواجه السؤال الوجودي تنظيمياً وحركياً، وهو ما فطنت له مؤخراً واستنسخت تجربة حركة النهضة التونسية.
ربما يكون من المبكر جدا اعتبار أن حركة النهضة في تونس، أو حركة حماس في غزة، تركتا التنظيم الأم (الإخوان) في العراء تماماً، أو انسلختا عنه، ولكن المؤكد أن ما جرى قد جعل التنظيم الإخواني في مأزق شديد، وأوجد حالة من الانفصام الفكري والعملي بين القيادات والقواعد المتشعبة، في غياب الصفين الثاني والثالث من التنظيم، إما بالتصفية أو الاعتقال، وإما بالهروب في أحسن الأحوال، ما يعني عملياً فقدان السيطرة على القواعد المتشرذمة التي تعيش مرحلة “تيه” حقيقي.
وبغض النظر عن قراءة التحول الأخير لحماس؛ إما باعتباره من باب التناقضات أو الخلل، وإما باعتباره “مراجعات” حقيقية أو “تقيَّة” سياسية.. إلا أن هذا التحول لا يمكن تجاهله استراتيجياً على مداه الأبعد، والمتعلق بطبيعة مستقبل جماعة الإخوان ذاتها والتي وصلت إلى ما يمكن اعتباره الحالة الصفرية في رهاناتها البائسة والفاشلة ضمن صراعها مع المنطقة ودولها الرئيسية وعلى رأسها الدولة المصرية.
الواقع يقول إنه لا مكان لـ”الإخوان” في المشهد السياسي المصري وأيضاً العربي، ومخطئ من يظن أن مصر باستطاعتها استيعاب جماعة الإخوان، مثلما استوعبت حماس التي هي الفرع المسلح للجماعة في غزة وفلسطين، لسببين رئيسيين:
- السبب الأول أن حركة حماس “استسلمت” براجماتيا للمتغيرات الإقليمية وضروراتها الداخلية فلسطينيا، وأدركت أنْ لا مكان لها إذا استمرت بذات الوتيرة الإخوانية، بينما الجماعة لا تزال تكابر وتعيش في الأوهام متناسية مأزقها الوجودي في صراعها الصفري.
- والسبب الثاني أن ما يحدث في قواعدها يحمل نذر تآكلها من الداخل، إما بالتطرف وإما بالانقلاب على قياداتها، والخروج على مبادئ “السمع والطاعة”، وكلاهما طريق للتفتت.
نقلا عن "العرب" اللندنية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة