المراقب لردّات فعل قادة المنطقة وسياسيّيها ومثقفيها تجاه قرار ترامب الأخير يعرف أنّها كانت منضبطة وفق الأعراف السياسية والدبلوماسية
بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن إعلانه القدس عاصمة لإسرائيل توالت ردود الأفعال الدولية والعربية المنددة به، ولكن اللافت ما صرح به الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وليُّ عهد أبوظبي، نائبُ القائد الأعلى للقوات المسلحة الإمارتية، من أنّ هذا القرار يمكن أن يكون طوق نجاة للجماعات المتشددة بعد الانتكاسة التي عانوا منها هذا العام.
المراقب لردّات فعل قادة المنطقة وسياسيّيها ومثقفيها تجاه قرار ترامب الأخير يعرف أنّها كانت منضبطة وفق الأعراف السياسية والدبلوماسية، وبعيدة عن المزايدات الكلامية كما يفعل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المتمرس بلعب هكذا أدوار، كما فعل سابقاً في ملتقى دافوس 2009.
في المقابل ثمة سؤال يحتاج للإجابة، من يضبط المتهورين والمندفعين ويضمن عدم استغلالهم مثل هكذا قرارات لتبرير سلوكياتهم المتطرفة؟، فلطالما هتف الإرهابيون "الله أكبر" حين يفجّرون ذواتهم في الآمنيين كردة فعل خاطئة حتماً على ظلم أصاب غيرهم، كما يبررون وفق معتقدهم غير السّوي فارتضوا لأنفسهم ظلم الآخرين، أو أُجبِروا على ذلك من قبل مشغليهم .
لابدّ لأصحاب القرار في الولايات المتحدة وغيرها من الدول النافذة التروي وحساب انعكاسات قراراتهم، كي لايمنحوا المتطرفين المتربصين بالبشرية جمعاء فرصة تنفيذ مخططاتهم، وكي يعمّ السلام أرجاء المعمورة إنّ كانت مساعيهم جادة بالفعل لتحقيقه.
خلاصة القول إنّ القرارات الظالمة تصبُّ في صالح صنفين اثنين من البشر أفراداً أو مجموعات.
الصنف الأول: أحزاب وتكتلات سياسية فشلت في الوصول إلى السلطة في بلدانها ما يجعلها تتّكئ على هكذا قرارات خاطئة لإعادة بناء قواعدها، وضرب استقرار هذه البلدان من خلال إثارة الشغب؛ والعمل على تقويض عمل حكوماتها تمهيداً لإسقاطها.
الصنف الثاني: شيوخ الفتنة الراعي الرئيس للتنظيمات المتطرفة، فهؤلاء يجدون نشوة عارمة في استغلال أيّ تصريح أو موقف سياسي لصالح تجنيد الشّباب، والدفع بهم لتنفيذ مخططات هذه التنظيمات غير المؤمنة بحدود أوطانها والساعية لإنعاش مشروعاتها على أنقاض الأوطان، كما يحدث في سوريا والعراق ومصر وليبيا واليمن .
وهذا ما تجلى بالفعل بعد هجمات 11 سبتمبر الإرهابية عام 2001 على نيويورك وواشنطن، وما أعقب ذلك من تصريح للرئيس الأمريكي وقتها جورج بوش الابن الذي وصف حرب بلاده على الإرهاب في كل من أفغانستان والعراق بـ "الحملة الصليبية" المصطلح الذي ذهب بالكثيرين إلى العصور الوسطى، وما كان يتعرض له المسلمون من حملات وحشية حينها.
لاشكّ أنّ إعلان البيت الأبيض في وقت لاحق عن تراجع الرئيس بوش وشعوره بالأسف لاستخدامه هكذا تعبير لم يَحلْ دون استغلال ذلك من قبل المتطرفين ومشغليهم، لا للرد على ماجاء عليه بوش وإنّما لتنفيذ أجنداتهم العابرة حدود أوطانهم، بإقامة ما يعتقد البعض أنّه "خلافة إسلامية قوية"، كما كان يروّج لذلك أبو مصعب الزرقاوي وخلفه بعد ذلك "تنظيم داعش"، أو حتى اتحاد إسلامي على حساب الأوطان وفق مفهوم الأمة الذي يشكل المعتقد الرئيس لدى"جماعة الإخوان"، ناهيك عن مواصلة إيران تصدير ما أطلقت عليه "الثورة الإسلامية".
رغم الاختلاف بين الأصناف الثلاثة المذكورة إلّا أنّ النتيجة واحدة هي انصهار الأوطان لصالح المشاريع الأيدولوجية، فـ"داعش" مثلا يريد إقامة خلافة إسلامية لا حدود فيها بين "الولايات الإسلامية"، نستذكر هنا كيف أزال التنظيم المتطرف الحدود بين العراق وسوريا، في حين يجهد "الإخوان " للوصول إلى غايتهم باتحاد إسلامي لا مشكلة فيه إن حكم ماليزيٌ إخواني دولة مصر العربية ذات الثقل المحوري في العالمين العربي والدولي وفق ماقاله محمد مهدي عاكف "مرشد الجماعة" في مصر.
أما إيران عملت ولاتزال على تصدير" ثورتها " خارج حدودها وفق منهج "ولاية الفقية"، ميلشيا الحوثي وحزب الله نموذجا.
بعد هذا الاستعراض ندرك صوابية ما قاله سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بأنّ قرار ترامب بشأن القدس يشكل طوق نجاة للمتشددين، والمراقب لدور الإمارات في محيطها العربي والدولي يدرك عدم انجرارها منذ نشأتها قبل 46 عاما وراء قرارات سريعة لا تكون غايتها خدمة العالم.
بالنتيجة لابدّ لأصحاب القرار في الولايات المتحدة وغيرها من الدول النافذة التروي وحساب انعكاسات قراراتهم كي لا يمنحوا المتطرفين المتربصين بالبشرية جمعاء فرصة تنفيذ مخططاتهم، وكي يعمّ السلام أرجاء المعمورة إنّ كانت مساعيهم جادة بالفعل لتحقيقه.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة