المملكة ليست ببعيدة عن ذلك، فنحن نشاهد الهجوم المُمنهج من الإعلام الغربي عليها وعلى قيادتها الشابة
يبدو أن مشروع «الفوضى الخلاقة»، الذي تبنّته السياسة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، وعبّرت عنه وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك، كوندليزا رايس، في مقالة نشرت في صحيفة «الواشنطن بوست» في 2005، وشاركها في ذلك وزير الدفاع في حينه، روبرت غيتس، وخلاصته هو نقل دول منطقة الشرق الأوسط من أنظمة شمولية إلى ديموقراطية، قد تعثّر أو يبدو ذلك من خلال أدواته القديمة، والمتمثلة بالربيع العربي والذي لا يمكن اعتباره شكلاً من أشكال الثورات التقليدية، التي عندما تصل قواها إلى الحكم يُفترض أن تغيِّر جميع أشكال الأطر السياسية والاجتماعية والاقتصادية، التي قامت ضدها تلك الحركات.
جماعات الإسلام السياسي ومنصّاتها الإعلامية وبعض الدول لها دور فاعل في مثل هذه الاتهامات الظالمة لمواقف المملكة الثابتة والتاريخية في نصرة القضية الفلسطينية، فعلينا الحذر من الانجرار إلى وحلهم، وبناء قدراتنا الذاتية للدفاع عن وطننا، ففلسطين وشعبها وقضيتها في عيوننا.
ما تابعناه في الربيع العربي أن رؤوس الأنظمة الشمولية، التي اندلعت فيها تلك الفوضى، أزاحت وجوه تلك الأنظمة، وبقيت مؤسساتها، أو ما أُطلِق عليه مفهوم «الدولة العميقة»، تلك الحالة من فوضى الربيع العربي أنتجت حركات إرهابية موغلة في القتل والتدمير، مثل «داعش» و«النصرة»، متلبسة بآيديولوجيا وخطاب ديني تقليدي، وهذا ليس بالصدفة العابرة، وإنما كانت مدروسة جداً لخلق حالة من الاعتقاد الجازم عند البعض أن تلك الحركات الإرهابية، هي نتاج تلك المدرسة الدينية التقليدية.
لقد تابع الجميع كيف كانت «داعش» تضرب في كل الدول في الشرق والغرب، وكوادرها من كل أصقاع الأرض، ولم نقرأ، أو تنشر تلك الجماعات الإرهابية الأهداف، التي تسعى لتحقيقها، فلا يمكن أن تقول إن مثل تلك الجماعات تسعى إلى نشر حقوق الإنسان ومفاهيم العدالة والحرية، وكوادرها ليسوا من الطبقات الفقيرة في المجتمعات العربية، بل أغلبهم من المتعلمين وأوضاعهم الاقتصادية جيدة.
قامت تحالفات دولية وتكاتفت دول عربية للقضاء على هذا «الداء»، وبقدرة قادر تلاشت هذه الجماعات الإرهابية من الساحة، ولم نعرف أين ذهب قادتها وكوادرها وعدها وعتادها، يبدو أن هذا الجزء من الخطة لم يحقق الأهداف المرجوة في نشر «الفوضى الخلاقة» في منطقتنا، ويمهد الطريق إلى حركات الإسلام السياسي، ممثلة بالإخوان المسلمين، لتكون هي الخيار الأول والمنقذ لشعوب المنطقة، وهذه الجماعة يبدو أنها الخيار الأول في العالم الغربي للتغيّر في منطقتنا، وهذا أكبر خطأ يقدم عليه الغرب في هذا المخطط، فكلنا يعرف أن جلَّ الحركات الجهادية خرجت من رحم هذا التنظيم الإرهابي العالمي، كما يوجد في منطقتنا أدوات منفّذة لهذا المخطط من دول تتبعها منصاتها الإعلامية الخطرة، كقناة الجزيرة في قطر التي تغنّت بالربيع العربي وتباكت على خسائر الإخوان في تلك الدول، وما زالت هي الناطق الرسمي لهم مع بعض الرتوش اليسارية، وكل موضوع يزعزع قناعات المواطن العربي في حكوماتها، خاصة في الدول التي ما زالت قوية، وتصدت لمشروع الغرب - الإخواني، وهذا هو السر في الهجوم المستمر على مصر لمعرفتهم أن إعادة الفوضى فيها كفيل بامتداده إلى كل دول الشرق الأوسط.
المملكة ليست ببعيدة عن ذلك، فنحن نشاهد الهجوم المُمنهج من الإعلام الغربي عليها وعلى قيادتها الشابة، التي تعمل على «عصرنة» المملكة، والمضحك في ذلك أن تلك القوى الشريرة كانت تطالب المملكة بهذه المشاريع التحديثية، وعندما بدأت قيادتنا بذلك وجدنا تلك القوى تردد أن المجتمع محافظ ولا يتحمل هذه التغييرات الجذرية، وأكبر مثال على ذلك هو ما قامت به الرياض من حملة على «الفساد»، إلا أننا لم نسلم ممن كانوا يرددون هذه الأقاويل. قرار الرئيس الأميركي بنقل السفارة الأميركية إلى القدس والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل، لا شك في أنه يأتي في إطار مشروع «إشاعة الفوضى» في المنطقة، فالقرار الأميركي ليس بقرار فردي كما يحاولون تصديره لنا، فكلنا يعرف دور المؤسسات الأميركية في صنع القرار، كما قد يكون قرار ترامب متوافقاً مع مشروع تلك المؤسسات الأميركية في الشرق الأوسط، وقد شهدنا تصريحات لترامب في قضايا عدة، حجمتها المؤسسات السياسية الأميركية.
بعضنا للأسف يصدق أن بعض دول المنطقة الفاعلة لها علاقة بـ«بالونة» صفقة العصر للقضية الفلسطينية، وهذا جزء من لعبة خطرة نشهد انعكاساتها في التراشق الشعبي بين الشعوب العربية على خلفية هذا القرار المؤسف، ولا شك أن جماعات الإسلام السياسي ومنصّاتها الإعلامية وبعض الدول لها دور فاعل في مثل هذه الاتهامات الظالمة لمواقف المملكة الثابتة والتاريخية في نصرة القضية الفلسطينية، فعلينا الحذر من الانجرار إلى وحلهم، وبناء قدراتنا الذاتية للدفاع عن وطننا، ففلسطين وشعبها وقضيتها في عيوننا ووطننا في قلوبنا.
نقلاً عن " الحياة " اللندنية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة