ترامب خلال 2017 .. 3 قفزات درامية في الشرق الأوسط
الرئيس الأمريكي بدأ ولايته مطلع 2017 بقرار حظر سفر رعايا دول إسلامية ثم اتخذ بعد ذلك خطوات تطمينية لينهي العام باعتراف القدس
استمرارا مع النزعة العدائية تجاه المنطقة الإسلامية، خلال حملته الانتخابية، بدأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ولايته مطلع عام 2017 بقرار حظر السفر ليخفف تدريجيا خلال الشهور اللاحقة خطابه الشعبوي، بخطوات تطمينية لحلفاء بلاده بالشرق الأوسط.
لكن بحلول ديسمبر/كانون الأول، توترت العلاقة مجددا، إثر قرار ترامب الاعتراف بالقدس كعاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، ما ترتب عليه واحدة من أقسى حملات الإدانة الرسمية والشعبية تجاه واشنطن، خلال العقود الماضية، بحسب ما رصدته بوابة العين الإخباربة.
وعند أدائه اليمين الدستورية، في يناير/كانون الثاني الماضي، اتجهت الأنظار ناحية البيت الأبيض، لمعرفة الفروق بين الخطاب الدعائي والسياسة الواقعية للرئيس الـ 45، تجاه منطقة تكتنز المصالح الحيوية لبلاده.
واضطربت التحليلات عندما أمر ترامب، في الأيام الأولى من عهدته الرئاسية، بحظر سفر رعايا عدة دول إسلامية إلى بلاده.
لكن لاحقا، وخلافا لقراره ولعناوين حملته الانتخابية، التي نُظر إليها على نطاق واسع بأنها "معادية للمسلمين"، أظهر ترامب توددا نسبيا للدول الإسلامية، لا سيما الخليجية، فاتحا مكتبه البيضاوي لقادتها.
ولم يكتف الرجل بذلك، بل اختار السعودية، في مايو/أيار، لتكون أول وجهة خارجية له، للقاء خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، فضلا عن حضور قمتين، خليجية وإسلامية.
وكانت هذه الزيارة تتويجا لتفاهمات بين السعودية والإدارة الجديدة، في عدة قضايا، على رأسها التصدي لخطط إيران التوسعية في المنطقة.
وبالفعل ركز ترامب، خلال مخاطبته قادة المنطقة، على "عزل" طهران، فيما وصفها خادم الحرمين الشريفين بأنها "رأس حربة الإرهاب العالمي".
وفي كلمة، كان مكافحة الإرهاب محورها الرئيس، قال ترامب إن "من لبنان إلى العراق واليمن، إيران تسلّح وتدرّب الإرهابيين".
وعلى النحو ذاته، شدد "إعلان الرياض" الصادر عن القمة الإسلامية الأمريكية، على محاربة الإرهاب، بدءا من جذوره الفكرية وليس انتهاءً بتجفيف مصادر تمويله.
وتجسّد العزم على تجفيف المنابع المالية، عندما أيّد ترامب علنا، بعد أسبوعين من القمة، مقاطعة الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب لقطر، بسبب تماديها في دعم الجماعات الإرهابية، بتنسيق مع طهران.
فبعد ساعات من إعلان السعودية والإمارات ومصر والبحرين قراراتها بحق الدوحة، في 5 يونيو/حزيران، غرّد الرئيس الأمريكي في صفحته على "تويتر"، بأن هذه الإجراءات "قد تكون بداية لنهاية فظائع الإرهاب".
وفي إشارة إلى قمة الرياض، قال ترامب: "لقد قالوا إنهم سيتخذون موقفا صارما بشأن تمويل التطرف، وكل الإشارات كانت تصب نحو قطر".
وتزامن ذلك مع تغليظ ترامب للهجته تجاه طهران، حليفة قطر، مجددا انتقاداته للاتفاق النووي الذي أُبرم في عهد سلفه باراك أوباما.
حينها، كان ترامب قد صادق مرتين على "التزام" إيران بتنفيذ الاتفاق، الذي كانت واشنطن في صدارة طرفه الثاني، مجموعة (5 + 1)، التي تضم الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، بجانب ألمانيا.
إلا أنه في المرة الثانية، قال الرئيس الأمريكي، الذي يلزمه الكونجرس بتقديم تقرير عن مدى التزام إيران بالاتفاق كل ثلاثة أشهر: "لو عاد الأمر لي، لكنت قد اعتبرت أن إيران لا تتقيد بالشروط منذ 180 يوما".
والحال كذلك، رفض ترامب، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، المصادقة للمرة الثالثة، مهددا بالانسحاب من الاتفاق، ما لم يُطرح للتعديل.
وصاغ الرئيس الأمريكي هذا الرفض ضمن استراتيجية جديدة، ردها إلى كبح أنشطة طهران المزعزعة للاستقرار في المنطقة، مثل برنامجها الصاروخي، بوصفه "تحايلا" على الاتفاق النووي.
وترتب على الخطوة الرئاسية منح الكونجرس مهلة 60 يوما، لاتخاذ قرار بشأن إعادة فرض عقوبات اقتصادية رفعت بموجب الاتفاق، لكن أعضاءه آثروا عدم اتخاذ قرار، مفسحين المجال أمام ترامب، لفعل ما يراه مناسبا.
وبالطبع كانت هذه الإجراءات محل ترحيب من دول المنطقة، الممتعضة مما رأته تساهلا من الإدارة السابقة تجاه طموحات طهران النووية.
إلا أن هذا التناغم حيال قضايا المنطقة، بما في ذلك تعهد ترامب بتحريك جمود المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، بموجب خطة سلام مرضية للعرب، انتكس بقراره الاعتراف بالقدس كحاضرة لإسرائيل.
وأجج القرار الذي أذاعه ترامب رسميا، في 6 ديسمبر/كانون الأول، مشاعر الغضب الرسمية والشعبية في المنطقة، حيث وصفه العاهل السعودي، الذي يعود له الفضل في ترتيب قمة الرياض، بأنه "مستفز" للمسلمين.
بينما أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن واشنطن لم تعد وسيطا نزيها، وهو ما ذهبت إليه أيضا القمة الإسلامية الطارئة التي استضافتها إسطنبول، لبحث القضية.
وبالمقابل، لم يُظهر البيت الأبيض أي مرونة تجاه الرفض العربي الإسلامي، بل استخدم حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار تقدمت به مصر، يندد بالخطوة الأمريكية في مجلس الأمن الدولي.
وبعدما لجأت الدول الإسلامية إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، لتوثيق رفضها للاعتراف الأمريكي، هدد ترامب بوقف المساعدات عن الدول التي ستصوّت ضد بلاده.
ومع ذلك صوّتت 128 دولة ضد واشنطن التي لم يقف في صفها سوى 7 دول، بجانب إسرائيل، بينما امتنعت 35 دولة عن التصويت، فضلا عن 21 دولة لم تدل بصوتها.
وبالضرورة ستمضي الأمور إلى تصعيد أشد، في حال نفذ ترامب وعيده بوقف المساعدات التي يصل قسم منها إلى دول بالمنطقة، وبعضها مرتبط برعاية واشنطن لعملية السلام.
وفي حين يستبعد أغلبية المعلقين السياسيين تنفيذ الرئيس الأمريكي لتهديده، على الأقل تجاه الدول العربية، ليس راجحا أن تمضي العلاقات بالدفء ذاته الذي سبق اعترافه، وسط إصراره على عدم التراجع.
ويُعتقد على نطاق واسع أن أكبر ضحايا هذا التوتر، خطة ترامب التي لا تزال في طور الإعداد، لاستئناف المحادثات الفلسطينية الإسرائيلية، لأنه وبغض النظر عن التفاصيل، لم يعد الحماس لها قبل الإعلان الأمريكي، مثلما هو بعده.