مواقف الإدارة الأمريكية مما يحدث في منطقة الشرق الأوسط صارت مقلقة للدول العربية كلها
مواقف الإدارة الأمريكية مما يحدث في منطقة الشرق الأوسط صارت مقلقة للدول العربية كلها، كما أن سياساتها وقراراتها في قضايا المنطقة أصبحت مصدر امتعاض وغضب لدى الرأي العام وسياسيي المنطقة؛ مثل ذلك القرار السيء السمعة بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل.
لا يجادل أحد أن الآمال التي كانت معقودة على الرئيس دونالد ترامب في إصلاح ما أفسدته سياسة سابقه باراك أوباما عندما أعلن استراتيجيته، والتي راهنت على التقارب والمهادنة مع إيران، باعتبارها سبباً في تهدئة المنطقة، ولكن الذي حدث هو العكس فقد سعت إيران إلى استغلال الاتفاقية النووية وتمددت في الدول العربية. وبإعلان ترامب استراتيجيته، مؤخراً، لم يختلف الأمر كثيراً عن أوباما، فالتركيز لم يكن على إيران رغم إدراكه خطرها بأنها السبب الأساسي فيما يحدث في هذه المنطقة، ورغم تهديداته "بتأديبها" وإنما كرر استراتيجية أوباما إلا من ناحية "الفضاضة" أو التشدد اللفظي.
تميزت "وثيقة استراتيجية ترامب"، التي أعلنها مؤخراً، بعدم الوضوح إزاء منطقة الشرق الأوسط، وفي تحديد كيفية التعامل مع مصادر التهديد والمقصود هنا إيران تحديداً، وكذلك التنظيمات الإرهابية، بل القلق أن ينعش هذا الأمر الطموحات الإيرانية وينعش قراره بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل نشاط التنظيمات الإرهابية، وهو الأمر الذي دفع بدول في المنطقة بأن تفتح أبواباً في سياساتها الخارجية مع دول كانت مغلقة لفترة طويلة، أو أنها لم تكن تفكر حتى التعاون معها مثل الأردن مع إيران وروسيا، وباتت بعضها تغامر بسياساتها بدلاً من السكون الذي قد يتفاجأ بمواقف من الرئيس ترامب، مثل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الذي كان معجباً بترامب.
علاقات واشنطن مع دول الشرق الأوسط بدأ يصيبها بعض "التفكك" والتشويه الخطير للاستراتيجية الأمريكية، وهذا في الحقيقة يمثل تهوراً يطال الأجندات الأمريكية الرئيسية، لا سيما أن روسيا بدأت تثبت أقدامها بقوة في المنطقة
يعجز المراقب في العثور على تفسير منطقي أو بريء من مواقف الرئيس ترامب إزاء المنطقة؛ رغم إدراك الاستراتيجيون لمحورية منطقة الشرق الأوسط في الاستقرار الدولي، وفي السيطرة على السياسة الدولية، إلا إذا "اقتصرت" المصالح الأمريكية في المنطقة على إسرائيل فقط، وهذا أمر لا يمكن اعتباره حقيقياً استراتيجياً، لذا فإن ما يقنعنا في التفسير حالتان اثنتان، الحالة الأولى: أن الرئيس ترامب لا يدرك السياسة الدولية بحقيقتها، ولا يدرك ما يحدث في هذه السياسة الآن، من تغييرات نتيجة لصعود قوى أخرى بعضها إقليمية قد تؤثر على مكانة السياسة الأمريكية على المدى البعيد. أما الحالة الثانية لتفسير موقف ترامب، الذي لم يتغير عن سياسة أوباما في استراتيجيته للمنطقة، أن الفريق الذي يعمل مع الرئيس ترامب لا يعرف قيمة منطقة الشرق الأوسط لأنهم ليسوا من "الدولة العميقة"، ولا يعرف قيمة حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة ودورهم في الحفاظ على المصالح المشركة في المنطقة الجغرافية المهمة من العالم.
وإذا كانت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما قد تسببت في خسارة الولايات المتحدة، بعضاً، من مكانتها في المنطقة، فإن الأسوأ من ذلك أن إدارة ترامب لم تغير شيئاً على الأرض غير استفزاز الدول العربية والإسلامية، وكأنها تعمل على مساعدة روسيا في فتح مجال لها في المنطقة التي يحاول فلاديمير بوتين استعادة الدور الروسي العالمي فيها.
إن "الشراهة" الروسية في العودة إلى المنطقة ذكّرت الكثيرين بمرحلة السبعينيات أيام الاتحاد السوفيتي الذي حاول دخول المنطقة من خلال أفغانستان، ولكن نتيجة وجود معارضة من أبناء المنطقة وليس الإدارة الأمريكية فقط، خسر الاتحاد السوفيتي ذلك، لكن اليوم الأمر يبدو عكس ذلك حيث يحاول بوتين استغلال الشعور بالتململ من السياسة الأمريكية في المنطقة وحتى في الغرب (ألمانيا وبريطانيا على سبيل المثال) والحصول على مكانة حقيقية وهذا ما حصل فعلاً بعد قرار ترامب، حيث تحرك بوتين في زيارة إلى المنطقة شملت مصر وسوريا وبيّن مواقف بلاده في إيجاد حلول لقضايا المنطقة.
بفعل استمرار أخطاء الإدارتين الأمريكيتين في تحديد التحديات التي يمكن أن تواجه الولايات المتحدة لم يعد الحديث عن بقاء أمريكا كقوة عظمى وحيدة كما كان بعد انهيار "جدار برلين" مجدياً، منذ الإعلان عن استراتيجية أوباما وكذلك استراتيجية ترامب.
من الصعب إنكار أن السياسة الخارجية الأمريكية تسببت في خسارة معظم حلفاء الولايات المتحدة التقليديين، وأظن أن علاقات واشنطن مع دول الشرق الأوسط بدأ يصيبها بعض "التفكك" والتشويه الخطير للاستراتيجية الأمريكية، وهذا في الحقيقة يمثل تهوراً يطال الأجندات الأمريكية الرئيسية لا سيما أن روسيا بدأت تثبت أقدامها بقوة في المنطقة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة