ترامب والشرق الأوسط.. القواعد الثلاث لاستراتيجية أمريكية واعدة

يتبع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، منهجٍا فريدا في التعامل مع التعقيدات السياسية للشرق الأوسط، يعتمد على كسر "التابوهات".
فبينما ظلت الإدارات الأمريكية السابقة حبيسة النهج الأحادي في الضغط على الفلسطينيين لقبول شروط إسرائيل، يدفع ترامب باتجاه معادلة مختلفة تتمثل في الضغط على جميع الأطراف، بمن فيهم الحلفاء التقليديون، لتحقيق مصالح واشنطن، بحسب مجلة "فورين بوليسي".
هذا النهج، المُغلف بمرونة تكتيكية واستعداد للتحدي، قد يمنحه فرصةً نادرة لتحقيق تقدم في منطقةٍ طالما اعتُبرت مستعصيةً على الحلول.
أولى هذه الاستراتيجيات تتجلى في كسر قاعدة التعامل مع إسرائيل كحليفٍ مُقدس. فتاريخيًا، تجنبت واشنطن انتقاد إسرائيل علنًا أو فرض عقوبات عليها حتى عند انتهاكها القانون الدولي.
لكن ترامب غيّر هذه القاعدة عندما علّق تمويلًا عسكريًا محدودًا عام 2025 ردًا على رفض إسرائيل وقف هجماتها على غزة.
ورغم أن القرار كان رمزيًا، فإنه حمل رسالةً واضحةً لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وهي أن العلاقة ثنائية، وليست منحة دائمة.
كما استغل ترامب هاجس رئيس الوزراء الإسرائيلي بالبقاء في السلطة، فاستهدف نقاط ضعفه الداخلية، مثل التصدعات في الائتلاف الحكومي، لإجباره على قبول اتفاق وقف إطلاق النار في يناير/ كانون الثاني 2025، متجاوزًا معارضة حلفائه اليمينيين المتطرفين.
والاستراتيجية الثانية تعتمد على التواصل المباشر مع الخصوم، وهو ما تجسد في المفاوضات السرية التي أجراها مبعوثو ترامب مع قيادات حركة حماس في الدوحة وأنقرة.
هذا الانفتاح، الذي خالف التصنيف الأمريكي للحركة كـ"جماعة إرهابية"، سمح بفهم مطالب حماس دون وسيط، مثل الإفراج عن معتقلين فلسطينيين، وفتح معابر غزة، وضمانات بعدم اغتيال قادتها.
ثالثا، وظّف ترامب الإرهاق الإقليمي المتراكم لصالحه. فالعالم العربي، المُثقل بأزمات لبنان واليمن وسوريا، لم يعد قادرًا على استيعاب تبعات استمرار الصراع. وحتى إسرائيل، التي تواجه عزلةً دوليةً متصاعدة بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، ترى في التطبيع مع العرب فرصةً لإنقاذ سمعتها.
وقدّمت إدارة ترامب "حزمة إنقاذ" تشمل دعمًا اقتصاديًا لأوروبا الشرقية وأفريقيا مقابل دعم سياسي لخططه، وتسهيلات تجارية للدول ذات العلاقة الطبيعية مع إسرائيل، وضمانات أمنية لتل أبيب في حال الموافقة على انسحاب جزئي من الضفة.
لكن رغم هذه العوامل، تواجه استراتيجية ترامب تحدياتٍ جذرية؛ فالفلسطينيون يرفضون التنازل عن القدس الشرقية أو حق العودة، وحماس تتمسك بالسلاح كضمانة وحيدة لبقائها، وإيران تعارض أي ترتيبات إقليمية كبرى مع إسرائيل توسع من نطاق الاعتراف بها، وقد تُعطّله عبر وكلائها.
كما أن تحويل وقف إطلاق النار إلى سلام دائم يتطلب إقناع الأطراف بأن الصفقة ليست انتصارًا لأحد، بل خسارةً مُتحكمًا بها للجميع. هنا بالضبط قد يكمن سرّ نجاح ترامب في قدرته على تقديم الواقعية كبديلٍ عن المثالية المُتعثرة.