ما يجب أن يعلمه القارئ الخليجي تحديداً، هو أن التحالف لا يعني التطابق، ثم إن الحلفاء يبقون كذلك على الرغم من خلافات كبرى
الولايات المتحدة الأميركية حليف تقليدي لدول الخليج العربية وللعديد من الدول العربية، وهي على مدى عقود كانت تبتعد حيناً وتقترب أحياناً، ولكن حبل التحالف لم ينقطع يوماً، وقد أثبتت دول الخليج حكمةً تاريخيةً في عهد الرئيس السابق باراك أوباما وتجاوزت عهده وسياساته المتحالفة مع كل الأعداء والخصوم، على عظم كارثيتها، وقد نجحت اليوم في بناء تحالف كبير مع إدارة خلفه الرئيس الحالي دونالد ترامب.
ما يجب أن يعلمه القارئ الخليجي تحديداً، هو أن التحالف لا يعني التطابق، هذه واحدة، ثم إن الحلفاء يبقون كذلك على الرغم من خلافات كبرى قد تطرأ في بعض الملفات، حتى المهمة منها بشكل أو بآخر، وهذه الثانية، أما الثالثة فهي أن المصالح الكبرى لدول الخليج العربي، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، بعد تطويرهما لعلاقاتهما إلى تحالفٍ غير مسبوقٍ لكلا البلدين قد لا تتقاطع مع بعض الدول العربية، وخاصةً تلك التي قررت الارتماء في أحضان إيران مختارةً أم مجبرةً، وأن بعض القضايا التاريخية المهمة ليست مجالاً للمزايدات السياسية وإن كان بالإمكان التعامل معها إعلامياً وثقافياً وتاريخياً كما ينبغي، بتأكيد الحقوق وتأدية الواجبات.
عاجلاً أم آجلاً سيكتشف الرئيس الأميركي أن لا حلول في المنطقة من دون أصدقاء، يمتلكون الرؤية ويدركون المعطيات، ويكتنزون التاريخ ويعملون على حلولٍ واقعيةٍ وعمليةٍ، الموقف من إيران والموقف من القدس.
يتبنى اليسار والإسلام السياسي في العالم، واليسار الليبرالي في أميركا موقفاً معادياً للرئيس ترامب، ضمن صراع القوى الدولية في العالم، وصراع الأفكار، والصراع الداخلي الأميركي، ولكن لا ينبغي الانسياق وراء سياقاتٍ سياسيةٍ وإقليميةٍ ودوليةٍ غير معنيةٍ إطلاقاً بمصلحة دول الخليج العربي، بل ينبغي لمثقفي دول الخليج العربي ومواطنيه أن يتبينوا مواقف الخصوم وتياراتهم الأيديولوجية القديمة والحديثة، ووسائل إعلامهم، من قنواتٍ وصحفٍ، ومراكز دراساتهم، ومؤسساتهم الحقوقية والإنسانية أو ما ينضوي تحتها أو يوازيها، حتى يمنحوا رؤيةً توضح للمواطن الخليجي مواقع الاختلاف في الرؤية والرصد، وفي التوجه المطلوب، وفي المصلحة المنشودة.
للتوضيح، فعلى سبيل المثال: قضية القدس، وموقف إدارة ترامب منها، فالحلفاء يخطئون، ويتنافرون، في بعض القضايا، وفي بعض الأزمات، ولكن شيئاً من ذلك لا يلغي التحالف الطويل ولا يقضي على المصالح الكبرى، بل تبقى المواقف واضحة والسياسات معلنة، فلدى دول الخليج والدول العربية مشروع السعودية الذي أصبح مبادرة الدول العربية للسلام، وهو قائم ولم يتغيّر منه شيء.
بالمقابل، فالمزايدون اليوم تجاه القضية، هم استمرارٌ لما جرى على مدى عقودٍ، حيث ظلت جماعات الإسلام السياسي، من «الإخوان» وحزب التحرير والسروريين وورثتهم من تنظيمات العنف الديني في السبعينيات في مصر، وثورة الخميني في إيران، والأفغان العرب، وتنظيم «القاعدة»، وعشرات الجماعات في الدول العربية والإسلامية، و«حزب الله» اللبناني وحركة «حماس» في فلسطين، ومن بعد في تنظيم «داعش»، والمليشيات الشيعية الإرهابية، في العراق وسوريا، و«الحوثي» في اليمن، جميعهم دون استثناء كانوا يرفعون شعار القدس، استغلالاً لها وتوظيفاً لما يخدم أهدافهم السياسية والحزبية، ولم ينفعوا القضية الفلسطينية ولا القدس مقدار أنملة، بل لقد أضروا بها بالغ الضرر.
أخيراً، فإن عاجلاً أم آجلاً سيكتشف الرئيس الأميركي أن لا حلول في المنطقة من دون أصدقاء، يمتلكون الرؤية ويدركون المعطيات ويكتنزون التاريخ ويعملون على حلولٍ واقعيةٍ وعمليةٍ، الموقف من إيران والموقف من القدس.
نقلا عن "الاتحاد"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة