رهان ترامب الخطر في أوكرانيا.. رايات نيكاراغوا أو مأساة فيتنام

قالت مجلة "ناشيونال إنترست" الأمريكية، إن إحدى سمات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هو استعداده للمخاطرة سعياً لتحقيق انتصارات كبيرة.
وأشارت إلى أن ترامب طالما وعد في خطبه بإنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا. ورغم ما يحظى به هذا الهدف من شعبية لدى الناخبين الأمريكيين، لكن تحقيق السلام وحده لن يكون كافيًا. والسؤال الحقيقي هو: كيف سيجعل هذا السلام الأمريكيين يشعرون تجاه أنفسهم؟
ورأت المجلة أن هذه المقامرة قد تؤدي إلى انتصار ساحق أو سقوط مدوٍّ. فقد يكون الأمر شبيهًا بانسحاب ريتشارد نيكسون من فيتنام أو انسحاب جو بايدن من أفغانستان، مما أضر بصورة أمريكا وأضعفها. ففي كلتا الحالتين، شعر الأمريكيون بالإحباط رغم توقف القتال.
وعلى العكس، فإن انسحاب رونالد ريغان من نيكاراغوا أو خروج جورج بوش الأب من العراق عام 1991 أنهى النزاعات في حين ترك القادة المحليين في مواقعهم، ما منح تلك الانسحابات طابعًا إيجابيًا إلى حد ما في التاريخ.
فكيف يمكن لترامب تجنب سيناريو نيكسون-بايدن وضمان نجاح استراتيجي مماثل لنهج ريغان-بوش؟
يعتمد ذلك على ترامب وفريقه الثلاثي: وزير الخارجية ماركو روبيو، ومستشار الأمن القومي مايك والتز، ووزير الدفاع بيت هيغسيث.
يتمتع كل من روبيو ووالتز بخبرة كبيرة في الكونغرس، في حين يمتلك هيغسيث خبرة عسكرية واسعة.
منذ عام 2016، كانت أوكرانيا وروسيا مصدر متاعب سياسية لترامب. فقد تعرّض لاتهامات لا أساس لها بالتواطؤ مع موسكو، كما خضع لمحاكمة العزل بسبب طلبه من الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي التحقيق في صفقات هانتر بايدن التجارية. نتيجة لذلك، أصبح ترامب من بين القلائل في واشنطن الذين ينظرون إلى زيلينسكي بعين الريبة وإلى نظيره الروسي فلاديمير بوتين بواقعية براغماتية بحتة.
أرسل ترامب روبيو إلى السعودية للقاء وزير الخارجية الروسي دون مشاركة أوكرانية أو أوروبية. وهو أول اجتماع موسع بين واشنطن وموسكو منذ العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا عام 2022، ما أثار قلق كييف وأوروبا.
لا يدرك زيلينسكي أن ترامب يحمله جزئيًا مسؤولية إحدى محاكمات عزله ويكره أسلوبه الاستعراضي الأخلاقي. فقد وصف ترامب زيلينسكي بأنه "ديكتاتور" بسبب رفضه إجراء انتخابات، وحمّل أوكرانيا مسؤولية الحرب.
أما بالنسبة إلى أوروبا، فإن ترامب يرى أنها بحاجة إلى إعادة ترتيب مؤلمة. وتصريح المستشار الألماني أولاف شولتز بأنه "لا يمكن اتخاذ قرارات رغما عن الأوكرانيين" يُعدّ بلا قيمة في واشنطن تحت حكم ترامب. فمن وجهة نظر فريقه، كم عدد الدبابات أو اليوروهات التي قدمتها ألمانيا لأوكرانيا؟ ومتى توقفت برلين عن شراء الغاز من بوتين؟
يرى ترامب أن القادة الأوروبيين لاعبون ثانويون. وبحسب رجال الأعمال المقربين منه، فإن المساعدات الأوروبية لأوكرانيا لم تتجاوز 15 مليار دولار في أي ربع سنة منذ 2022، في حين قدمت أمريكا أكثر من 24 مليار دولار في الربع الأخير من 2024 وحده.
وأوضحت المجلة أن ترامب مصمم على كسر هذا النمط التاريخي حيث تتحمّل أمريكا العبء الأكبر، في حين تحتفظ أوروبا بموقع متساوٍ على طاولة المفاوضات.
من جهته، أشار وزير الخزانة الأمريكي، سكوت بيسنت، إلى إمكانية تخفيف العقوبات على روسيا أو تشديدها وفقاً لاستعداد موسكو للتفاوض. كما طلب من أوكرانيا منح واشنطن حقوقًا في مواردها المعدنية مقابل المساعدات العسكرية السابقة. وزعم بيسنت أن كييف وافقت، لكن زيلينسكي نفى ذلك، مشيرًا إلى أن المساعدات الأمريكية خلال إدارة بايدن بلغت 69.2 مليار دولار، وهي أقل بكثير من المطالبات الأمريكية الجديدة.
ويؤكد نهج ترامب أن السياسة الخارجية الأمريكية يجب أن تخدم المصالح الأمريكية أولاً، لذا فإن مطالبته بحقوق في الموارد الأوكرانية كشرط لاستمرار الحماية الأمريكية لم تكن مفاجئة.
وقد عزز مساعدو ترامب هذا التوجه، حيث دعا وزير الخارجية ماركو روبيو إلى تحول نحو عالم متعدد الأقطاب، حيث تلعب واشنطن دورًا ثانويًا في أوروبا. كما صرح مستشار الأمن القومي مايك والتز بأن أوروبا يجب أن تتحمل عبء الصراع الأوكراني مستقبلاً. وأبلغ وزير الدفاع بيت هيغسيث حلفاء الناتو بوضوح أن على أوروبا تمويل المساعدات العسكرية لأوكرانيا.
ورأت المجلة أن إصرار ترامب على أن تتولى أوروبا مسؤولية "مشاكلها المحلية" مثل أوكرانيا قد يدفعها إلى تطوير إطار أمني مستقل بعيدًا عن المظلة الأمريكية.
ولا يزال مستقبل المفاوضات بين ترامب وبوتين غير مؤكد، لكن ما هو واضح أن هذه المحادثات تمثل تحولًا تاريخيًا في العلاقات الأمريكية-الروسية ومستقبل الأمن الأوروبي. وإذا نجح ترامب في تحقيق سلام فلا يُنظر إليه على أنه هزيمة أمريكية، ودفع أوروبا نحو الاعتماد العسكري الذاتي، فسيكون رهانه قد أتى ثماره.
ولكن إذا انهارت الهدنة واستولت روسيا على كييف، فسيواجه ترامب كارثة شبيهة بمشهد طائرات الهليكوبتر التي أقلّت الدبلوماسيين الأمريكيين من سايغون وكابول، مما سيترك إرثه في خطر.
aXA6IDMuMTMzLjEwNy45NSA=
جزيرة ام اند امز