للخروج من أزمتها.. تونس تترقب التوصل لاتفاق مع صندوق النقد الدولي
تستمر الأزمة الاقتصادية التونسية في التصاعد في ظل تأجيل صندوق النقد الدولي النظر في طلب تونس للحصول على قرض.
وتأثر الاقتصاد التونسي بشكل كبير بإرهاصات الأزمة العالمية الناجمة عن الحرب الأوكرانية الروسية وجائحة كورونا علاوة على مخلفات العشر سنوات الماضية من حكم الإخوان.
وكان يفترض أن يصدر مجلس إدارة صندوق النقد الدولي قرارًا بشأنه في اجتماعه منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي، لكن المجلس قرر في الاجتماع تأجيل النظر في ملف تونس إلى موعد لم يحدد في وقت تتفاقم فيه أزمة المالية العامة.
وتنتظر تونس، التي تعاني من أزمة اقتصادية حادة، بشدة موافقة مجلس إدارة الصندوق مقابل الالتزام بحزمة إصلاحات لإنعاش المالية العامة ودفع النمو الاقتصادي.
وتشمل الإصلاحات نظام الدعم والمؤسسات العمومية المتعثرة والتحكم في كتلة الأجور وغيرها من الإصلاحات الأخرى، وهي إجراءات قوبلت بتحفظ كبير من الاتحاد العام التونسي للشغل، المنظمة النقابية الأكبر في البلاد.
ويعتزم صندوق النقد الدولي توفير 1،9 مليار دولار خلال أربع سنوات، وهذا يعني أن القسط الأول الذي يمكن صرفه يقدر ب500 مليون دولار، وأن هذا المبلغ لا يمكنه وحده سد الفجوة المالية في الميزانية.
ومنذ أسبوعين، قال وزير الاقتصاد التونسي سمير سعيد إن كل الإصلاحات الاقتصادية جاهزة وأن الحكومة بصدد العمل على التسريع في إنجاز هذه الإصلاحات من أجل استرجاع التوازنات المالية ونسق النمو.
وقال إن كل شيء جاهز من الناحية التقنية بخصوص اتفاق تونس مع صندوق النقد الدولي، مضيفًا أن الحكومة الآن بصدد التعمق في آليات التنفيذ حتى تكون الإصلاحات ناجعة.
وأكد أن الاتصال الحكومي متواصل مع صندوق النقد الدولي والأطراف الفنية الذين أعلنوا عن مساندتهم لحصول تونس على حزمة إنقاذ تمويلية.
انهيار مالي
كما تعددت التصريحات الغربية مؤخراً محذرة ممّا أسمته "انهياراً ماليّاً" لتونس، في حال لم تتوصل إلى تسريع الاتفاق النهائي مع صندوق النقد الدولي.
وقد حذر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، الأربعاء الماضي، من توجه الاقتصاد التونسي نحو المجهول، رابطًا ذلك باحتياج البلاد بشكل طارئ للتوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد.
ويأتي هذا التصريح عقب تحذير المسؤول عن السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، في اجتماع وزراء خارجية دول الاتحاد ببروكسل الإثنين الماضي، من أن تونس تسير نحو انهيار ينذر بتدفق المهاجرين للاتحاد الأوروبي، مستبعدًا مساعدتها إذا لم توقع اتفاقًا مع صندوق النقد.
وتدعم فرنسا وإيطاليا تونس في مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي؛ إذ يطالب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني بضرورة دعم تونس، وسط ما تواجهه من أوضاع اقتصادية ومالية صعبة وتصاعد لوتيرة الهجرة غير الشرعية نحوها.
والإثنين، أكد المفوض الأوروبي للاقتصاد "باولو جونتيلوني" أهمية الشراكة بين تونس والاتحاد الأوروبي والفرص العديدة المتوفرة لدعمها وتطويرها خدمة للمصلحة المشتركة.
وأشار خلال لقائه الإثنين، وزير الاقتصاد سمير سعيد إلى أن أولوية المرحلة الراهنة هي بذل المزيد من الجهود للتوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي في أفضل الآجال بما يفتح المجال للشركاء لاسيما الاتحاد الأوروبي لتوفير المساندة المالية والفنية الضرورية لتونس حتى تنجح فى تنفيذ برامجها الإصلاحية ومشاريعها التنموية وتتجاوز الأزمة الاقتصادية والمالية الصعبة التي تمر بها.
حاجة ماسة لقرض الصندوق
ويؤكد خبراء الاقتصاد في تونس ضرورة التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي لخروج تونس من الأزمة الاقتصادية الراهنة.
وتوقع وزير الاقتصاد التونسي الأسبق والخبير الاقتصادي، محسن حسن أن تتوصل تونس خلال الأسابيع القليلة القادمة إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي بعد استجابتها لجميع الشروط الفنية لصندوق النقد.
وأكد أن تونس انطلقت في برنامج الإصلاحات بعد إدراج مجموعة من الإصلاحات بقانون المالية لسنة 2023 ومن بينها المصادقة على قانون إصلاح المؤسسات الحكومية.
وأضاف أن الضغوط الأوروبية والأمريكية للتوقي من تفشي ظاهرة الهجرة غير الشرعية ستدفع إلى التوصل إلى اتفاق نهائي مع تونس يمكنها من تعبئة موارد مالية خارجية لتخرج من عنق الزجاجة.
كما دعا إلى ضرورة العمل على استعادة نسق الإنتاج في تونس لدعم الاقتصاد الوطني عن طريق عودة إنتاج الفوسفات وتشجيع الشركات العالمية على التنقيب واستكشاف الطاقة والتسريع في إنجاز مشاريع الطاقات البديلة.
من جهة أخرى، قال عز الدين سعيدان إن تونس مطالبة في 2023، بتسديد 21 مليار دينار (8 مليارات دولار) كديون خارجية متراكمة على عاتقها.
وأكد لـ"العين الإخبارية" ضرورة التسريع في التوصل إلى قرض صندوق النقد الدولي والشروع في الإصلاحات الاقتصادية للخروج من الأزمة الاقتصادية الراهنة.
وأشار سعيدان إلى أنّ الحل الأمثل والأفضل بالنسبة لتونس هو التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي باعتباره يفتح المجال أمام تعبئة موارد مالية أخرى من المؤسسات المالية المانحة.
وأكد أنه في حال عدم توصل تونس إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي فإن إعادة جدولة ديونها الخارجية أمام نادي باريس قد تمثل حلاً لكنه حل سيئ.
وأوضح أن إعادة جدولة الديون ستخفف الضغط على المالية التونسية عن طريق تعبئة موارد جديدة.
ديون خارجية
وبلغ حجم الدين العام أكثر من 35.5 مليار دولار (بما يشكل 80.2 بالمئة من الناتج المحلي) مقابل 79.9 بالمئة في 2021 طبقاً للبيانات الرسمية الصادرة عن وزارة المالية.
كما وصلت نسبة الدين الخارجية 60 بالمئة من إجمالي الدين العام في تونس، بقيمة 66.2 مليار دينار، بينما ارتفعت القروض الداخلية إلى 43.9 مليار دينار.
والخميس الماضي، أعلن البنك المركزي التونسي، تراجع احتياطي البلاد من العملة الأجنبية ليبلغ 22.04 مليار دينار (7.04 مليار دولار)، أي ما يعادل 95 يوم توريد مقارنة بالسنة الماضية.
جاء ذلك، وفق بيانات نشرها البنك المركزي في موقع الرسمي، في وقت بلغ احتياطي العملة الأجنبية 16 مارس/آذار 2022، ما يعادل 127 يوم توريد.
ويوم 6 فبراير/شباط الماضي، وصل احتياطي تونس من العملة الأجنبية إلى 22.217 مليار دينار (7.09 مليار دولار) أي ما يعادل 96 يوم توريد.
وبسبب تذبذب وفرة النقد الأجنبي في تونس، تشهد الأسواق المحلية منذ شهور، تراجعا في وفرة السلع الرئيسية، في وقت يتهم الرئيس قيس سعيد بعض التجار بـ"احتكار السلع".
والشهر الماضي، قال محافظ البنك المركزي التونسي مروان العباسي، إن تقديرات البنك تؤشر لارتفاع التضخم في 2023 إلى 11 بالمئة صعودا من 8.3 بالمئة في 2022.