تونس تسجل التضخم الأعلى في 30 عامًا.. هل يتدخل صندوق النقد؟
قال المعهد الوطني التونسي للإحصاء، الأحد، إن معدل التضخم السنوي ارتفع إلى 10.4% في فبراير/شباط 2023، وهو أعلى مستوى منذ 3 عقود.
وذلك مقابل 10.2% في يناير/كانون الثاني 2023.
وحافظت نسبة التضخم على منحاها التصاعدي منذ عدة أشهر وسط ارتفاع لأسعار المواد الغذائية التي زادت بنسبة 15.6% بحساب الانزلاق (التضخم) السنوي مقابل زيادة بنسبة 9.8% بالنسبة للمواد المصنعة.
أزمة اقتصادية خانقة
وتواجه تونس أزمة اقتصادية خانقة بينما تتطلع إلى التوصل لاتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي يتيح بدء صرف أقساط برنامج قرض بقيمة 1.9 مليار دولار، بهدف إنعاش المالية العامة ودفع النمو الاقتصادي مقابل التقيد بحزمة إصلاحات واسعة تشمل بالخصوص نظام الدعم والأجور والمؤسسات العمومية المتعثرة.
وكان البنك المركزي التونسي قد رفع سعر الفائدة الرئيسي 75 نقطة أساس في ديسمبر/كانون الأول 2022 إلى 8% من 7.25% لمكافحة التضخم المرتفع.
ويبدو أن التضخم سيتسبب في مزيد من الألم للتونسيين هذا العام، بعد أن وصل مؤشر أسعار المستهلك إلى رقمٍ في خانة العشرات في 2022، وهو أعلى مستوى له في 30 عاماً. وشهدت البلاد نقصاً، بشكلٍ متقطع، في المواد الغذائية الرئيسية على مدار الاثني عشر شهراً الماضية.
آمال معلقة على قرض صندوق النقد
وتأمل تونس في إبرام الاتفاق النهائي مع صندوق النقد الدولي، للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 1.9 مليار دولار على 4 أقساط. ويعتبر الاتفاق أساسيا لإخراج تونس من أزمتها الاقتصادية، وفق ما يراه خبراء الاقتصاد في تونس.
وكان وزير الاقتصاد التونسي، سمير سعيد، قد قال في 3 مارس/آذار الجاري إنه "لا بد من الإسراع في تنفيذ الإصلاحات واسترجاع التوازنات المالية ونسق النمو".
وأكد خلال مؤتمر صحفي بالعاصمة أن "تونس قدّمت برنامجها لصندوق النقد الدولي ويتم حاليا دراسة آليات التنفيذ التي يجب أن تكون ناجحة ومتوازنة".
وأوضح سعيد أن الاتصالات متواصلة مع صندوق النقد الدولي ومع كل الأطراف الممولة والتي أعلنت دعمها لتونس.
وأكد أنه من الناحية التقنية فالحكومة الآن بصدد دراسة آليات التنفيذ حتى تكون الإصلاحات ناجحة، مع استمرار الاتصال الحكومي مع صندوق النقد الدولي والأطراف الفنية التي أعلنت مساندتها لتونس.
وكان يفترض أن يصدر مجلس إدارة الصندوق قرارا بشأنه في اجتماعه منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي، لكن المجلس قرر في الاجتماع تأجيل النظر في ملف تونس إلى موعد لم يحدد في وقت تتفاقم فيه أزمة المالية العامة.
ومن جانبها، خفضت مؤسسة موديز للتصنيف الائتماني تصنيف تونس إلى درجة Caa2، التي تعني تعرض الحكومة والبنك المركزي إلى مخاطر مالية عالية، وهي نفس الدرجة التي منحتها الوكالة العالمية للبنان قبل شهر واحد من إعلانه التخلف عن سداد ديونه في شهر مارس/ آذار 2020.
وقالت "موديز" في تقريرها حول تونس إن خفض التصنيف الائتماني "يعود لعدم وجود تمويل شامل حتى الآن لتلبية احتياجات الحكومة، مما يزيد من مخاطر التخلف عن السداد"، مضيفة أنّ عدم تأمين برنامج تمويلي جديد من قبل صندوق النقد الدولي على الرغم من التوصل إلى اتفاق إطاري في أكتوبر/تشرين الأول 2022، أدى إلى تفاقم وضع التمويل الصعب وزيادة الضغوط على احتياطي النقد الأجنبي للبلاد.
إصلاحات جريئة
وتنتظر تونس التي تعاني من أزمة اقتصادية حادة، بشدة موافقة مجلس إدارة الصندوق مقابل الالتزام بحزمة إصلاحات لإنعاش المالية العامة ودفع النمو الاقتصادي.
وتتقدم تونس في تنفيذ حزمة إصلاحات اقتصادية في إطار اتفاق القرض مع صندوق النقد الدولي من بينها هيكلة المؤسسات الحكومية ورفع الدعم تدريجياً عن الغذاء والطاقة، وتجميد كتلة أجور موظفي القطاع الحكومي. وتواجه خطة الإصلاح الاقتصادي اعتراضات كثيرة من الاتحاد العام التونسي للشغل الذي يطالب بتشاركية واسعة في خطط الإصلاح ويزيد تفقير التونسيين.
فيما قالت وكالة "فيتش" للتصنيفات الائتمانية، في تقرير لها مطلع مارس/آذار الجاري إن تونس ما زالت تواجه مخاطر تمويل كبيرة.
وتونس في حاجة ماسة منذ شهور إلى مساعدة دولية إذ ترزح تحت وطأة أزمة مالية يقول معارضون للحكومة إنها أثارت مخاوف من احتمال تخلف البلاد عن سداد ديونها، كما تسببت في نقص في الغذاء والوقود.
ومن المتوقع أن يسند صندوق النقد الدولي القسط الأوّل من القرض لفائدة تونس قبل نهاية الربع الثاني من عام 2023، وفق ما أشارت إليه وكالة "فيتش".
ولاحظت "فيتش" في تقريرها الأخير عن أوضاع الاقتصاد التونسي، التطوّر الذّي حققته تونس على مستوى تنفيذ الإصلاحات، المدرجة في إطار اتفاق "تسهيل الصندوق الممدد" بقيمة 1،9 مليار دولار.
وبحسب فيتش فإنّ هذا التطوّر ينعكس، أساسا، من خلال المصادقة على المرسوم المتعلّق بتنقيح قانون الأوّل من فبراير من سنة 1989 والمتعلّق بالمساهمات والمؤسسات والهياكل العمومية. ولاحظت وكالة التصنيف الائتماني، أيضا، تقدّما في استكمال وتحيين مخطط التمويل المقدم من السلطات التونسيّة.
ومكّنت مجمل هذه التطوّرات من توقع إسناد صندوق النقد الدولي للقسط الأوّل من القرض المتفق بشأنه منذ 15 أكتوبر 2022 على مستوى الخبراء.
وتشير تقديرات فيتش في ما يتعلّق بمتطلبات وشروط التمويل، أن يكون عجز الميزانية في حدود 5.7% من الناتج المحلي الإجمالي في 2023 مقابل 7.3% في 2022 بفضل الإجراءات المتخذة على غرار التحكم في كتلة الأجور وإصلاح الدعم.
ويمكن توفير الحاجة من التمويلات المتبقية، من البنوك المحلية، وفق وكالة فيتش، التّي توقعت أن لا يكون لذلك ضغط كبير على السيولة لدى هذه البنوك.