التحالف الهجين بين الإخوان وقلب تونس.. مسار حتمي لتجنب سياسات ثورية
"قلب تونس" حزب تحوم حوله شبهات فساد، والنهضة حركة إخوانية مسؤولة عن الفشل الحكومي بالبلاد
يتبادلان الاتهامات بالفساد والفشل، وتتواتر التصريحات من الجانبين جازمة باستحالة الوفاق، في محاولة من حركة "النهضة"، فرع الإخوان في تونس، وحزب "قلب تونس" الليبرالي طمأنة قواعدهما الشعبية باستحالة التقارب أو مد يد الواحد منهما للآخر.
لكن ما يلبث الجانبان أن يتقاربا في تحالف هجين لحزبين متنافرين أيديولوجيا وسياسيا.
فـ"قلب تونس" حزب تحوم حوله شبهات فساد بالنسبة للنهضة، والأخيرة حزب إخواني مسؤول عن الفشل الحكومي بالبلاد.. هكذا يردد كل جانب، لكن وفي ظل تلك الضوضاء المفتعلة، تفاجأ التونسيون بتحالف بين الحزبين لدى انتخاب رئيس البرلمان مؤخرا، ويبدو أن الحزب الليبرالي صاحب المركز الثاني بالانتخابات التشريعية الأخيرة، اختار منح الحركة الإخوانية رئاسة القبة التشريعية (البرلمان) مقابل تسوية ملفات قضائية بحق رئيسها نبيل القروي المتهم في قضايا فساد.
والآن، وفي وقت يجري فيه رئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي مشاورات مع الأحزاب لتشكيل الحكومة، تلوح في أفق المشهد 3 أسباب تدحض لاءات الحزبين، وتدفع بقوة نحو تحالف هجين بينهما.
وهم "خط الثورة"
هو خط وهمي وانتهازي رسمته الحركة الإخوانية لتصدر به صورة مغلوطة تصطاد بها الأنصار والمؤيدين والمتعاطفين، بتنصيب نفسها ضمن القوى الثورية بالبلاد، والحال أن هدفها الأوحد من ورائه هو حشد أقصى عدد ممكن من الأنصار والأصوات بعد الهزيمة النكراء للحركة في الانتخابات الرئاسية، وحتى تحصل على نوع من التصويت "المفيد" في مواجهة "قلب تونس" بالتشريعية.
وبخروجها من السباق الرئاسي في الدور الأول، كان أكثر ما تخشاه الحركة الإخوانية هو ضياع المبادرة السياسية أو بالأحرى خيوط اللعبة من يديها، وهي الهادفة إلى الإمساك بزمام السلطة الفعلية في البرلمان والحكومة، أما الرئاسة فلا يعنيها كثيرا خسارة منصب بصلاحيات محدودة لا يمنحها أدوات السيطرة على مفاصل الدولة.
ومن هذا المنطلق، استنبطت خطا وهميا انتهازيا أسمته "خط الثورة" ووضعت فيه نفسها مع ائتلاف الكرامة المنتمي لنفس عائلتها الأيديولوجية، والتيار الديمقراطي (ديمقراطي اجتماعي) وحركة الشعب (قومية ناصرية)، وفي الجهة المقابلة وضعت حزبي "قلب تونس" و"الدستوري الحر".
لكن بإدراكها أن هذا الخط لن يبلغها مآربها، نظرا لموازين القوى في البرلمان، ستغير النهضة حتما تكتيكها، هذا إن لم يتغير أصلا منذ صفقة انتخاب رئيس البرلمان.
البحث عن بديل
أما المعطى الثاني الذي يجعل من التحالف بين الحزبين أمرا حتميا فهو يقينها أن العمل مع أحزاب ما تسميه بـ"الصف الثوري" لن يكون يسيرا، وقد يكلفها تنازلات صعبة، خصوصا في ظل اشتراط حزب التيار الحصول على وزارات معينة للمشاركة في الحكومة المقبلة، وحركة الشعب التي تطلب قطعا كاملا مع السياسات الحالية.
لكن الحركة الإخوانية تعلم أن السياسات التي ستقترحها لن تخرج عن إطار تواصل سياسات حكومة الشاهد، أي أنها ستكتفي بذات المسار لأنها في النهاية ليس لها ما تقدمه من إنجازات حقيقية، وكل برامجها الانتخابية مجرد وعود تدرك كما الجميع أنها لن تغادر الورق الذي دونت عليه، كما أن مشروعها لا يشمل تحسين مستوى عيش التونسيين، ولا محاربة الفساد، وإنما تغيير النمط المجتمعي وإرساء مشروعها الإخواني، وغير ذلك يظل مجرد دعاية انتخابية انقضى عهدها.
كما أنها لا تنوي تغيير أولويات الحكم ولا العلاقات الدولية ولا الشراكات الاقتصادية ولا التمرد على الجهات المانحة ولا تريد حربا على الفساد قد تخيف وسط الأعمال، ولا تحسين الأجور، وجميع هذه النقاط ستجعل من أي تحالف محتمل مع التيار الديمقراطي أو حركة الشعب مولودا ميتا هذا إن حصل، وحتى إن صمد لوقت قصير فلن يتجاوز بضعة أشهر في أحسن الأحوال.
ائتلاف الكرامة.. قوة إسناد فقط
الائتلاف الإخواني تعول عليه النهضة في دعم ثقلها بالبرلمان، لكنها لا تنظر إليه في العموم، إلا كقوة إسناد وليس شريكا فعليا في الحكم، حيث تخشى أن يتحول الائتلاف المحسوب عليها إلى عبء في وقت من الأوقات، وهذا ما يدفعها للتفكير في ضدها الأديولوجي على حساب سليل عائلتها الإخوانية، ففي النهاية هي مضطرة لذلك، ومحتاجة لطرف تتقاسم معه الفشل المحتمل.
وتمتلك النهضة 52 نائبا بالبرلمان، وفي حال أضافت إلى كتلتها نواب ائتلاف الكرامة الـ21، فإنها لن تحقق إلا ما نسبته ثلث نواب المجلس الـ217، ما يعني أنها بحاجة ماسة إلى كتلة وازنة إضافية لا تضطر للتفاوض معها في كل صغيرة وكبيرة، وهذا ما حصل فعلا في انتخاب رئيس البرلمان، الفصل الأول من التقارب بين الخصمين اللدودين.
ثم إن الحركة الإخوانية تنظر إلى الأمر من زاوية أن كتلة قلب تونس تفوق عدديا حليفيها المفترضين التيار الديمقراطي وحركة الشعب، وفي حال حدوث تحالف، فستضمن الحركة تصويت الحزب الليبرالي للحكومة على امتداد ولاية الحكومة في السنوات الخمس المقبلة، دون أن تتكبد عناء المفاوضات أو تقديم تنازلات.
فهدفها الرئيسي يكمن في تجنب إدارة معقدة ومستمرة ومتوترة للحزام السياسي الداعم لحكومة الجملي، لأن أي سيناريو عكس ذلك سيجعل الحكومة نفسها بمرمى محاولات الإسقاط والإضعاف، وهذا أسوأ ما تخشاه وتسعى لتفاديه لأنه سيكون عنوان فشلها، خصوصا أنها هذه المرة لن تجد من تحمله مسؤولية فشلها الحكومي كما حدث من قبل.
ولذلك، فإنها في حال تحالفت مع "قلب تونس"، فستربح الكثير، أما عن سخط قواعدها من تضارب مواقفها وأفعالها، فستكتفي بالقول إن أحزاب "الصف الثوري" هي من أجبرتها على ذلك.
aXA6IDE4LjIyNy4yMDkuMjE0IA== جزيرة ام اند امز