تونسيون يحتفلون برأس السنة الأمازيغية.. هوية وحنين
احتفلت أقليات أمازيغية في جنوب تونس بـ"يِنّاير" رأس السنة الأمازيغية 2973 مرددين عبارة "أسقاس أمقاس" والتي تعني سنة أمازيغية سعيدة.
وحتى سنوات قريبة، كان ممنوعا على التونسيين الاحتفال برأس السنة الأمازيغية باعتباره تاريخا يحرج السلطة. لكن بعد عام 2011، خرجت هذه الأقليات الأمازيغية للعلن لتحتفل بكل حرية برأس السنة الأمازيغية دون خوف، بعد أن كانت تحتفل به في السر وراء جدران المنازل.
ويعتمد جميع التونسيين في جميع المحافظات، تاريخ 12 يناير/ كانون الثاني كبداية التقويم الزراعي، ويعتمدون عليه في تنظيم الأعمال الزراعية الموسمية.
ويربط المؤرخون أصول الاحتفال برأس السنة الأمازيغية، بالشهر الأول من بداية السنة الفلاحية الأمازيغية "يناير"، وبالتالي يكون الاحتفال في أول يوم منها تفاؤلا بالخير والسعادة والرخاء ووفرة المحاصيل الزراعية.
ويوافق "يِنّاير" بداية ما يعرف باسم "الليالي السود" التي تدوم 20 يوما، وهي من الفترات التي تسجل انخفاضا قياسيا في درجات الحرارة.
وجرت العادة على ذبح جمل أو بقرة وتوزيع اللحوم بالتساوي على الجميع مع مناقشة الأمور المتعلّقة بالقرى والقبائل والعائلات قبل الانطلاق في السنة الفلاحيّة.
ويُطبخ في هذه المناسبة "الكسكسي سبعة حبوب"، والفطائر و"العصيدة بالزيت" وتتواصل الاحتفالات على امتداد ثلاثة أيام لا يمارس فيهم الأهالي أيّ نشاط مواز سوى الاحتفال.
أصل السنة الأمازيغية
ويحتفل الأمازيغ في يوم 12 من يناير/كانون الثاني (ثمة من يحتفل في 13 من الشهر نفسه) برأس السنة الأمازيغية، ويطلق عليه تسمية "الناير"، ويسبق التقويم الأمازيغي، التقويم الغريغوري (الميلادي) بـ 950 عاماً.
وينقسم المؤرخون حول أصل الاحتفال برأس السنة الأمازيغية إلى فريقين، الأول يرى أن اختيار هذا التاريخ يرمز إلى احتفالات الفلاحين بالأرض والزراعة، ما جعلها تُعرف باسم "السنة الفلاحية".
ويرى الفريق الثاني، أن هذا اليوم هو ذكرى انتصار الملك الأمازيغي "شاشناق" على الفرعون المصري "رمسيس الثاني" في المعركة التي وقعت على ضفاف النيل ﺳﻨﺔ 950 ﻗﺒﻞ ﺍﻟﻤﻴﻼﺩ.
التّقويم الفلاحي
يعتمد التونسيون على التقويم الزراعي الأمازيغي منذ قرون، ومن أبرز فتراته:
- "الليالي البيض " وهي تبدأ من 25 ديسمبر/ كانون الأول وتنتهي في 13 يناير/ كانون الثاني، يكون الطّقس فيها شديد البرودة في الليل ودافئا في النّهار، وسُمّيت بذلك لقلّة وجود السّحب والغيوم خلالها.
- "العزارة" هي فترة تبدأ يوم 3 فبراير/ شباط وتنتهي يوم 13 من نفس الشهر، يكون الطّقس خلالها تارة جميلا وتارة باردا وممطرا.
- "قرة العنز " هي فترة تبدأ يوم 14 فبراير/ شباط وتنتهي يوم 19 من نفس الشهر، وهي فترة شديدة البرودة، ينزل فيها البرد والثلج.
- "نزول جمرة الهواء" هي فترة تبدأ يوم 20 فبراير/ شباط وتنتهي يوم 26 من نفس الشهر، يصبح فيها الهواء دافئا تدريجيّا.
- "نزول جمرة الماء" يوم 27 فبراير/ شباط من كل سنة، وتزول فيها البرودة من المياه وتصبح دافئة.
- "نزول جمرة التراب" هي فترة تبدأ يوم 6 مارس/ آذار وتدوم أربعة أيّام، وتأتي بعد دخول فصل الربيع، وتبدأ فيها الأرض بالدّفء تدريجيّا.
- "الحسوم" هي فترة تبدأ يوم 10 مارس/ آذار وتنتهي يوم 17 من نفس الشهر، وهي فترة تلاقح النباتات، وتتميّز بكثرة هبوب الرّيح وهناك مثل شعبي يردده التونسيون"بعد أربعين يوما من الحسوم نحي حوايجك وعوم (تستطيع السباحة).
- "أوسو " هي فترة صيفيّة تمتدّ حوالي خمسة عشر يوما، تبدأ يوم 25 يوليو/ تموز ويكون فيها الطقس شديد الحرارة.
أمازيغ تونس
يسكن في تونس نحو 11 مليون نسمة، وتقول الإحصاءات الرسمية إن عدد الأمازيغ بينهم يبلغ نحو 500 ألف نسمة، أي خمسة بالمائة من العدد الإجمالي لسكان البلاد، ولا يتحدث اللغة الأمازيغية سوى اثنين بالمائة منهم.
ويتركز الوجود الأمازيغي لغةً وثقافةً في تونس، في ما يعرف بالثالوث الأمازيغي الذي يضم ثلاث قرى متجاورة، بالجنوب التونسي وهي" تاوجوت"، و"تمزرط"، و"الزراوة"، إضافة إلى قرى تابعة لمدينة جربة، مثل "قلالة" و"سدويكش"، مع بعض القرى في تطاوين، مثل "شنني". والدويرات.
وهناك أمازيغ لا يتحدثون اللغة الأمازيغية، لكن هؤلاء أمازيغ بالتاريخ والثقافة واللباس واللهجة العامية التي تضم عدة مفردات أمازيغية، ما جعل من اللهجة غير مفهومة لدى دول عربية أخرى.
ثقافة صامدة
وقال عماد الزروي، ناشط في صفوف المجتمع المدني للمطالبة بحقوق الأقليات الأمازيغية، إن الثقافة الأمازيغية ما زالت صامدة رغم محاولات طمسها.
وأكد الزروي في تصريحات لـ"العين الاخبارية " أن الثقافة الأمازيغية تتجسد عبر توظيف رموزها في اللباس والأواني والوشم، وتمرير كلماتها في الأغاني والقصائد الشعبية، إضافة إلى الأكلات الأمازيغية التي هي أساس المطبخ التونسي رغم مرور آلاف السنين على غرار "الكسكسي" و"البركوكش" و"البسيسة" و"العصيدة" و"الشخشوخة" و"فتات".
وأكد أن هناك كلمات ومصطلحات أمازيغية يستخدمها التونسيون في لهجتهم العامية مثل "شلاغم" والتي تعني شوارب و"جرانة" يعني ضفدع و"بركوس" يعني خروف و"فكرون" يعني سلحفاة و"كرومة" يعني "رقبة" و"سفنارية" يعني جزر و"ممي" يعني رضيع وغيرها.
وتابع "الوشوم في جسد النسوة في بعض المناطق التونسية تعد شاهدًا على تاريخ زاخر بالعراقة للأمازيغ.
وأوضح أنه سواء كان في اليد أو الرجل أو الصدر، يرمز الوشم لقبيلة المرأة وقيمتها الاقتصاديّة ومكانتها الاجتماعية، فالمرأة قليلة الوشم، تكون إما يتيمة أو مطلّقة الأم.
فيلم"ذاكرة القادم"
في إطار الاحتفالات برأس السنة الأمازيغية يناير 2973، سيتم عرض فيلم المخرج الشاب شاهين بالريش "ازرو تامورثيو (ذاكرة القادم)" السبت المقبل في قاعة الريو بالعاصمة.
ويعكس الفيلم الوثائقي معاناة أمازيغ تونس من جراء السياسات الاقتصادية والثقافية المسقطة على مجتمعاتهم القروية والتي أدت إلى تهجير سكان "ازرو تامورثيو آزرو" .
الفيلم سيناريو وحوار "شاهين بالريش" ومدته 66 دقيقة، ويمسح قرابة قرن من سيرة قرية "آزرو" أو "زراوة" الأمازيغية الواقعة في محافظة قابس (جنوب شرق)، وهي قرية مهجورة بقيت فيها الحجارة شاهدة على مرور الإنسان لكنٌ سكانها غادروها تباعا وانتشروا في البلاد وأمست القرية مجرٌد ذكريات يستعيدونها خلال لياليهم.
واستغرق الفيلم من مخرجه الشاب شاهين بالريش 10 سنوات من البحث والتوثيق وتسجيل الحكايات التي ترويها النساء حارسات الذاكرة المهددة بالتلاشي.
وانطلق تصوير الفيلم عام 2013 بمناسبة تنظيم أول تظاهرة أمازيغية في "زراوة" وتبلورت الفكرة عام 2019 عند تنظيم تظاهرة يوم العودة التي جمعت أهل تمزرط المنتشرين في البلاد حول حكايات الحنين والذكريات.
شاهين بالريش اختار النبش والحفر عميقا في مغاور الذاكرة الأمازيغية بحثا عن مشاهد لم تبق حية إلا في ذاكرة من عاشها. لذلك عمد عن وعي وقصد إلى أن يعيد إليها نبض الحياة من باب الحنين أولا ومن زاوية ترميم شقوق الهوية والانتماء ثانيا.
وإذا كانت السياسة عاجزة أمام الذاكرة فإن الفن قادر على التحليق بعيدا ووصل الماضي بالحاضر بحثا عن "ذاكرة القادم".