تجفيف منابع تمويل إخوان تونس.. حسم يطيح بـ«أباطرة الفساد»
خلال العشرية السوداء التي سيطرت فيها حركة النهضة الإخوانية على مقاليد الحكم في البلاد، غرست جذورها في اقتصاد البلاد وكونت شبكات مع رجال أعمال فاسدين لتمول مخططاتها.
ودفع منسوب الفساد الذي استشرى طيلة فترة حكمهم الرئيس التونسي قيس سعيد إلى الإطاحة بهم في 25 يوليو/تموز 2021 والانطلاق في بناء جمهورية جديدة وتطهير الدولة من براثن الفساد، وآخرها اعتقال «أباطرة الفساد»، في خطوة يراها مراقبون «هدفا حاسما» في طريق تجفيف منابع تمويل الإخوان وتحويل تلك الأموال إلى الاستثمار في المناطق المهمشة.
- الإخوان والرئاسيات بتونس.. «مناورة» بعيدة عن القانون والسياسة
- تونس تعيد تدوير قانون الصلح الجزائي.. «العين الإخبارية» ترصد آخر فصول الإخوان
تجفيف المنابع
وفي إطار الحرب على الفساد، اعتقلت السلطات الأمنية التونسية خلال الأيام الأخيرة عددا من رجال الأعمال المؤثرين في مجالات المال والاقتصاد، بتهم يتعلق أغلبها بشبهات فساد مالي واستغلال نفوذ، أبرزهم صهر الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، مروان المبروك، وعبدالرحيم الزواري، ونجيب بن إسماعيل، وماهر شعبان وغيرهم.
ويرى مراقبون للمشهد السياسي التونسي أن سياسة الرئيس التونسي قيس سعيد في اعتقال رجال الأعمال المقربين من الإخوان تهدف لتجفيف القوة المالية للإخوان وتحويل تلك الأموال إلى الاستثمار في المناطق المهمشة.
ويرى الناشط السياسي التونسي أحمد شفطر أن "الرئيس التونسي قيس سعيد يخوض حربا على الفساد في جميع القطاعات ولم يستثن أحدا فيها".
وأكد لـ"العين الإخبارية" أن "هناك رجال أعمال في تونس متورطين في الفساد"، موضحا أن "هذه الأموال هي أموال الشعب ويجب أن تعود للشعب عن طريق قانون الصلح الجزائي".
وأشار إلى أن "قيمة الأموال المنهوبة من قبل رجال الأعمال الفاسدين، قدرت بـ13 تريليون دينار توزعت على حوالي 460 شخصا".
وأشار إلى أن "تونس تعاني أزمة اقتصادية نتيجة سياسات تهميش وتفقير وسرقات على مرّ السنوات الماضية"، معتبرا أن "الصلح الجزائي هو جزء من المنوال التنموي الذي سيبنى بعقل آخر".
من جهة أخرى، يرى المحلل السياسي التونسي عمر اليفرني أن "حركة النهضة ساعدت عددا من رجال الأعمال على استعادة أموالهم التي تم تجميدها ومصادرتها بعد 2011 ولم تكتف بذلك فحسب، بل ابتزتهم وتلاعبت بالأموال واقتسمتها".
وأكد في حديث لـ"العين الإخبارية" أن "جماعة الإخوان عندما خرجت من السجون بعد 2011 لم تكن تملك الأموال وسرعان ما جمعتها بطرق مشبوهة كي تتمكن من مشروعها التخريبي في تونس، وبدأت بالتلاعب بالصفقات".
وقد أعلن حينها وزير العدل الأسبق الإخواني نور الدين البحيري (حاليا بالسجن) أن "عدد رجال الأعمال الفاسدين ليس 460 شخصا مثلما أعلنت عنه هيئة عبدالفتاح عمر التي تم تشكيلها بعد سقوط نظام زين العابدين بن علي وقبل وصول الإخوان للحكم في أكتوبر/تشرين الأول 2011، بل 70 فقط".
وأضاف أن "التغيير في الأرقام يثبت الكم الهائل لفساد الإخوان، حيث تم إزاحة أسماء رجال الأعمال الفاسدين الذين قدمت الولاء لهم وتشاركت وتحالفت معهم".
وأوضح أن "اعتقال شخصيات لها نفوذ اقتصادي ومالي سياسي قوي، له علاقة بمسار الصلح الجزائي مع رجال الأعمال الفاسدين الذي أطلقه الرئيس قيس سعيد قبل أكثر من عام، ويهدف إلى استعادة الأموال المنهوبة مقابل إسقاط التتبّعات القضائية المتعلّقة بهم".
وأكد أن "استعادة هذه الأموال يجفف القوة المالية للإخوان ليتم استثمارها في المناطق الداخلية التي تم تفقيرها خلال السنوات الماضية.
ومؤخرّا، لمّح سعيّد إلى أنّ هذا المشروع لم ينجح في تحقيق أهدافه بسبب عدم إيفاء رجال الأعمال بوعودهم في إعادة أموال الشعب التي تم اختلاسها، مشدّدا على أنّ "القضاء سيكون هو الفيصل".
الصلح الجزائي
وفي 22 مارس/آذار 2022، أعلنت تونس إقرار تسوية في شكل صلح جزائي يتعلق بـ"الجرائم الاقتصادية والمالية" في قضايا فساد مقابل استرداد أموال واستثمارها في المناطق المهمشة، بحسب مرسوم رئاسي.
في تصريحات أدلى بها، الأربعاء الماضي، قال الرئيس التونسي "أنا شعاري في ذلك كما قال الفاروق عمر الخطاب لو استقبلت من أمري ما استدبرت لأخذت من الأغنياء فضول أموالهم فرددتها على الفقراء".
وأضاف: "لن نأخذ من الأغنياء إلاّ فضول أموالهم وليس ثرواتهم، ولا نسعى إلى هذا أبدا، ولكن نسعى إلى العدالة الاجتماعية".
وفي 28 يوليو/تموز 2021، صرّح سعيد بأن "الأموال المنهوبة من البلاد تبلغ 13.5 مليار دينار، ويجب إعادتها مقابل صلحٍ جزائي مع رجال الأعمال المتورطين في نهبها".
وأضاف -آنذاك- أن "عدد الذين نهبوا أموال البلاد 460 شخصا، وفق تقرير صدر عن اللجنة الوطنية لتقصّي الحقائق حول الرشوة والفساد"، دون تسميتهم.
«كعكة» الإخوان
وكانت تونس بمثابة الكعكة لدى حركة النهضة، حيث استقطبت رجال أعمال وقامت بابتزازهم من أجل تسهيل أعمالهم مقابل أموال تصرف للحركة لتمويل أنشطتها ولتمويل حملاتها، ووضعت الحركة يدها في أيديهم مقابل منحهم مشروعية في وسط عالم المال بتونس، فاستشرى منسوب الفساد.
ومنذ عام 2011، اعتمدت حركة النهضة على الأساليب الملتوية من أجل جمع المال وبدأت بالمتاجرة بأملاك عائلة الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي المصادرة وقسمت تلك الأملاك فيما بينها.
كما أعادت جانبا منها لصهر بن علي (زوج ابنته سيرين) ورجل الأعمال مروان المبروك في إطار صفقة مشبوهة، ورفعت التجميد عن الأملاك، وعاد للعمل في عالم المال في تونس دون حسيب أو رقيب ليتم مؤخرا القبض عليه وسجنه في قضية التلاعب بملف الأملاك المصادرة.
وسبق أن قال رجل الأعمال المعروف عادل الدعداع (حاليا في السجن)، والذي انضم لحركة النهضة بعد وصولها للحكم في 2011 في تسريب صوتي إنه "في عام 2011 جاءني راشد الغنوشي فقيرا، لا يملك حتى منزلا، فاصطحبته إلى منزلي وعرّفته برجال الأعمال.. كان الكل يكرهونه ويقشعرون منه وأخبروني بأنهم لا يريدون التعامل معه لكنني أقنعتهم".
كما تحدث عن «الأموال الوفيرة التي كانت تأتي في صناديق بالعملة الصعبة من إحدى الدول الإقليمية -لم يسمها- والتي تسلمها معاذ، نجل الغنوشي، مباشرة».
وأوضح أن "ابن الغنوشي معاذ كان يأتي بمليارات من تلك الدولة الإقليمية وأذهب معه لحمايته وأقوم بنفسي بإيصال تلك الأموال إلى مقر حركة النهضة بالعاصمة تونس".