الغنوشي يحل المكتب التنفيذي لـ"النهضة".. "انقلاب" ما قبل الأفول
جدل واسع أثاره إعلان زعيم إخوان تونس حل المكتب التنفيذي لـ"النهضة" في وقت تعيش فيه الحركة خلافات حادة تختزل تصدعا داخليا هائلا.
هروب إلى الأمام واستبداد بالرأي بين أنصاره.. هكذا وصف العديد من المتابعين قرار راشد الغنوشي حل المكتب التنفيذي للحركة، في خطوة جاءت في ساعة متأخرة من الليلة الماضية، وتزامنت مع تمديد الرئيس قيس سعيد فترة تعليق عمل البرلمان إلى أجل غير مسمى.
الشيخ الثمانيني الذي يتربع على رئاسة حزب النهضة منذ بداية سبعينيات القرن الماضي، أي منذ تأسيسها، يواصل عناده السياسي رغم انهيار شعبيته، ويرفض التنحي عن رأس الحركة الإخوانية في دكتاتورية لطالما أكدت لمحللين بأن من ينتهجها على الصعيد الحزبي فلن يتوانى عن فعل ذلك على مستوى القرار السياسي الوطني.
وحتى اليوم، لم يصدر المكتب التنفيذي للحركة الذي يضم 11قياديا بيانا، إلا أن الأصداء الواردة من بيت العنكبوت الإخواني تفيد بأن بركان الانشقاقات أصبح على وشك الانفجار.
فقرار الغنوشي عمق الخلافات داخل النهضة وطرح من جديد الصراعات المفتوحة مع رفاقه منذ أكثر من عام، حيث أكدت مصادر مطلعة لـ"العين الإخبارية" أن الخطوة لاقت معارضة شرسة من قيادات إخوانية من الصف الأول على غرار عبد اللطيف المكي وعلي العريض.
وأوضحت المصادر أن عددا من القيادات تنوي تقديم استقالتها من حزب النهضة على خلفية ما اعتبروه استحواذا من الغنوشي وعائلته على القرار الداخلي للحركة.
وسبق أن كتب القيادي في حركة النهضة عبد اللطيف المكي، تدوينة عبر فيسبوك توجه فيها للغنوشي قائلا: "من لم يقنعه التاريخ على امتداده وبوقائعه الصلبة الصارخة فلن أستطيع إقناعه أنا العبد الضعيف".
ولا يعتبر التراشق الكلامي بين الغنوشي وقيادات النهضة أمرا مستجدا، فالحروب المستعرة طفت إلى السطح منذ العام 2019، وتتواصل بنسق متصاعد ما أسفر عن استقالة قيادات تاريخية مثل عبد الحميد الجلاصي (الرجل الثاني في الحركة)، وخليل البرعومي (المتحدث باسم الحركة).
انقلابي
في وقت توقعت فيه معظم القراءات الاستشرافية لما بعد 25 يوليو/تموز الماضي انسحاب الغنوشي من المشهد السياسي برمته، سواء باعتباره رئيسا للحركة الإخوانية أو للبرلمان، إلا أنه يناور كعادته بقرار يصفه خبراء بمثابة "الانقلاب الحزبي"، حيث ألغى انعقاد المؤتمر الانتخابي للحركة بما يضمن استمراره على رأسها وسط رفض إخواني واسع لذلك.
الكاتب والناشط السابق في حركة النهضة الحبيب لسود يرى أن راشد الغنوشي "يخبط خبط عشواء بحله المكتب التنفيذي للنهضة".
وقال لسود، في تدوينة عبر صفحته الرسمية بموقع فيسبوك، إن "إجراء مماثلا يحاول من خلاله الغنوشي أن يوهم الرأي العام الداخلي والدولي بأن مشكلة تنظيمه مع الحكم ومع الشعب إنما هي شخصية وهيكلية، ومتى بدّل الأشخاص وأعاد هيكلة التنظيم، فستنتفي المشاكل، وسيزول كره الناس ورفضهم له ولتنظيمه".
وتابع: "الغنوشي يحمل فكرا إخوانيا أساسه الغنيمة والتمكين وأمير وقطيع، وهنا تكمن معركة الشعب ضد النهضة وقادتها... بكل الدجل والخداع ونقض العهود تكلموا زورا وبهتانا باسم 'الثورة'، وقد خانوا 'الثورة' وتحيّلوا على الديمقراطية، سفيههم فعل كل خطيئة في حق تونس وشعبها وسيادتها واستقلالها وثرواتها، ومدّ يده ليقبّلها تابعوه، فلقبوه بالزعيم عوض السفيه، وما أبعده أدبا وخلقا وحكمة ووطنية عن الزعماء الذين صنعوا التاريخ، وأخلصوا لشعوبهم، وحافظوا على سيادة دولهم".
نهاية الإخوان
من جانبه، أكد المنشق عن حركة النهضة كريم عبد السلام أن الغنوشي انتهى سياسيًا، معتبرا أن حله للمكتب التنفيذي "لن ينفعه في شيء".
وقال عبد السلام، في تصريح لـ"العين الإخبارية"، إن الإجراءات الرئاسية ليوم 25 يوليو/تموز عصفت بحركة النهضة قيادة وقواعدا، وكشفت زيف الخطاب الديمقراطي الذي يتبجح به شيخ الإخوان".
وفي 25 يوليو/ تموز الماضي، قرر الرئيس التونسي تجميد عمل البرلمان وتعليق حصانة نوابه، وإقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي، في قرارات جاءت استنادا للدستور، وتلبية لمطالب قسم واسع من التونسيين بإسقاط الإخوان عقب عشرية من السياسيات الخاطئة التي أوصلت البلاد إلى حافة الإفلاس على جميع المستويات.