عام على اعتقال الغنوشي.. يوم «تحررت» تونس من أخطبوط الإخوان
ليلة فارقة في تاريخ تونس الحديث أعادت ترتيب الأدوار بما يليق ببلد يطمح شعبه إلى الديمقراطية عبر الخلاص من أخطبوط كتم أنفاسه وسمم محطاته.
هكذا كانت ليلة توقيف زعيم إخوان تونس، راشد الغنوشي، فاصلة في مسار بلد يقود مسارا تصحيحيا ينشد إعادة المؤسسات إلى دورها في البناء والتنمية، بعيدا عن سم التطرف والإرهاب والأدلجة.
الغنوشي، الرجل البالغ من العمر 82 عاما، يقبع في زنزانته مثقلا بأحكام قضائية صادرة بحقه، وأخرى لا تزال قيد التحقيق والمحاكمة، في مرافعات تنهي مسيرته وتوجه ضربة قاصمة للتنظيم.
عاد من منفاه عقب احتجاجات تونس في 2011، وتعهد بأنه لن يمارس السياسة وسيترك للشباب قيادة مطالبه وتحقيق انتظاراته، لكنه سرعان ما انقلب على عهده الزائف، لتتبين نواياه المنصبة رأسا على السلطة.
وفي اختبار الحكم الصعب، أظهرت عشرية كاملة حصيلة قاتمة لرجل حاول تحويل دولة لمقاطعة خاصة به، وأدخلها في دوامة الإرهاب والاغتيالات وسفك الدماء ومخططات إقليمية تتقاطع مع طموحه الخاص وأجندة تنظيمه.
لكن في ليلة 25 يوليو/تموز 2021، انتهت أوهامه بأمر من التونسيين، وبكلمة حاسمة من القضاء، إذ خرجت مظاهرات مليونية في محافظات البلاد كافة، وبدا الغضب واضحا من خلال النيران المشتعلة بمقرات حركة «النهضة» الإخوانية، وشعارات "ارحل" و"يا غنوشي يا سفاح يا قتال الأرواح".
وفي مثل هذا اليوم، أي في 19 أبريل/نيسان 2023، صدرت بحق الغنوشي مذكرة إيداع بالسجن، على خلفية تصريحات أدلى بها، وتندرج ضمن "أفعال مجرّمة متعلقة بالاعتداء المقصود منه تبديل هيئة الدولة أو حمل السكان على مهاجمة بعضهم بعضا بالسلاح وإثارة الهرج والقتل والسلب".
ولاحقا، فتح القضاء التونسي جميع القضايا التي يشتبه بتورط الغنوشي فيها، لكنها ظلت مركونة بالرفوف بسبب تستر مخالب الإخوان بمفاصل الدولة عليها.
ولعل أبرزها الجهاز السري للإخوان، الذي يشتبه بتورطه في جرائم الاغتيالات السياسية وتسفير الإرهابيين إلى بؤر الإرهاب، والفساد المالي وتبييض الأموال والتخابر والتآمر على أمن الدولة.
وفي فبراير/شباط الماضي، أصدرت الدائرة الجنائية المختصة في قضايا الفساد المالي بالمحكمة الابتدائية في تونس، حكما بسجن الغنوشي لمدة 3 سنوات مع النفاذ العاجل بتهمة تلقي تمويل أجنبي.
وفي 15 مايو/أيار من العام نفسه، قضت محكمة تونسية بسجنه لمدة عام، بتهمة تمجيد الإرهاب والتحريض على قوات الأمن والإساءة لأجهزة الدولة.
وجاء الحكم في قضية رفعها ضدّه نقابي أمني بعد وصف زعيم الإخوان الأمنيين بـ"الطواغيت".
سقوط الأخطبوط
يتفق مراقبون للشأن التونسي على أن محاسبة راشد الغنوشي على أفعاله وجرائمه تعد تعافيا للجهاز القضائي الذي كان مكبلا بالقيود الإخوانية.
وفي تعقيبه، يرى عمر اليفرني، الناشط والمحلل السياسي التونسي، أن «الغنوشي ليس شخصا عاديا بل قاد طيلة السنوات العشر الماضية البلاد نحو خندق الإرهاب والاقتتال، وهو شخصية خطيرة عادت لتونس لتنفذ مخططات إقليمية تهدف إلى الإطاحة بها وبدول مجاورة مثل ليبيا وسوريا».
ويقول اليفرني، في حديث لـ«العين الإخبارية»، إنه «طيلة السنوات الـ10 الماضية، أسقط الغنوشي البلاد في مربع العنف والقتل والإرهاب، وتسبب في قتل جنودها ورجال شرطتها ومدنييها وسياسييها».
وتابع: «حينها اكتشف التونسيون وجهه الحقيقي وأصبحوا يرفعون بطريقة طوعية شعارات يا غنوشي يا سفاح يا قاتل الأرواح».
وبحسب الخبير، فإن «حركة النهضة (الإخوانية) مارست سلسلة من الجرائم بحق التونسيين تستوجب المحاسبة العاجلة»، مشيرا إلى أن «الغنوشي ليس معتقلا سياسيا مثلما يتم الترويج له من قبل الإخوان، وإنما هو مجرم ارتكب جرائم، وهو الآن يحاسب عليها».
ولفت إلى أن الغنوشي عاد إلى تونس «ناقما منتقما، فتمكن بمفاصل الدولة لتحقيق مخططاته ومشروعاته التدميرية، واستطاع تكوين ثورة طائلة بعد سرقة ونهب أموال وقروض وهبات وصلت لتونس في إطار دعم الثورة والانتقال الديمقراطي».
وأشار إلى أنه "منذ وصول حركة النهضة للحكم، وضعت يدها على القضاء بعد تعيين الإخواني نور الدين البحيري على رأس وزارة العدل، لتتهرب من أي محاسبة، وليتم إتلاف أي وثائق أو حجج تدينهم.. وهذا ما حصل في جل القضايا وعلى رأسهم قضية الاغتيالات السياسية".
من هو الغنوشي؟
منذ ستينيات القرن الماضي، واجه الغنوشي أحكاما بالسجن المؤبد والنفي والإعدام، إلى أن وصل بعد سنة 2011 إلى الحكم، ثم يعود مجددا إلى الزنزانة.
والغنوشي وُلد في 22 يونيو/حزيران 1941 بمحافظة قابس جنوب شرقي البلاد، وليكمل تعليمه العالي، سافر العام 1964 إلى مصر ثم سوريا، إذ حصل في 1968 على الإجازة في الفلسفة من جامعة دمشق.
ثم سافر إلى باريس التي أمضى فيها فترة قصيرة، ليعود إلى تونس في نهاية الستينيات من القرن الماضي.
وعمل الغنوشي أستاذا للفلسفة في مدارس ثانوية بالعاصمة تونس، وفي 1972 أسس مع بعض رفاقه "الجماعة الإسلامية" التي غيرت اسمها في 1981 إلى حركة "الاتجاه الإسلامي" ثم إلى "النهضة" في 1989.
بدأ الغنوشي العمل السياسي عام 1969، وتم اعتقاله في ثمانينيات القرن الماضي، وحكم عليه بالإعدام مرتين في تسعينيات القرن الماضي، بسبب نشاطه الإرهابي، ما أجبره على البقاء بالمنفى في لندن لمدة 21 سنة بين 1989 و2011، قبل أن يعود عقب سقوط نظام زين العابدين بن علي.
تمت محاكمة الغنوشي عام 1981، إذ حكم عليه بالسجن 11 عاما، كما تمت محاكمته عام 1987، وقد حكم عليه بالسجن مدى الحياة وبالأعمال الشاقة.
وعقب سقوط نظام بن علي سنة 2011، عاد الغنوشي من منفاه في لندن إلى تونس، ليقول في أول تصريح له عقب عودته إنه لن يشارك في السياسة، ولن يتقلد أي منصب، وأن رئاسة "حركة النهضة" ستكون للشباب.
غير أن تصريحاته لم تصمد طويلا، إذ كان حبل الكذب قصيرا، فبعد أن فاز حزبه بانتخابات 2011 نتيجة خديعته للتونسيين بأنه سيعطي حقوق الجميع، تراجع عن زيفه وأظهر وجهه الحقيقي.
بقي في منصبه كرئيس للحركة ثم تولى رئاسة البرلمان عام 2019، إلى أن أزاحه الرئيس قيس سعيد من هذا المنصب في 25 يوليو/تموز 2021، ليفتح ذلك بوابة المحاسبة بوجهه.