إخوان تونس.. من أكل أموال الشعب؟ (الحلقة الثالثة)
عشرات المليارات من الدينارات حصلت عليها تونس تبخرت زمن حكم الإخوان في أموال ضائعة سحبها التنظيم من رصيد الشعب إلى جيوبه.
قروض تداينتها الدولة كان من المفروض أن توجه لدعم موازنتها، وهبات خارجية اعتقد مانحوها أنها لمساندة شعب أرهقته الفوضى وخاصره الإرهاب ونكل به الإخوان.
لكن تلك المبالغ الضخمة التي حصلت عليها تونس بعد 2011 تاهت في جيوب التنظيم الإرهابي، حيث اقتنصتها أيادي الإخوان الخبيثة، فبعد أن كانوا في السجون والمنافي، عادوا وهم يحملون بذور النقمة ليعيثوا فسادا في البلاد.
وبحسب جرد لوزارة المالية التونسية، يفوق حجم القروض والهبات التي حصلت عليها تونس بعد 2011، مبلغ 100 ألف مليار دينار.
جيوب الإخوان
سامي الرمادي، رئيس منظمة الحوكمة والشفافية المالية بتونس، قال معلقا على الأمر، إن حركة النهضة (إخوانية) حصلت، عقب صعودها للحكم في 2011، على أول القروض الخارجية للدولة بقيمة 500 مليون دولار، بفائدة قدرت بـ2,3 %، دون استشارة محافظ البنك المركزي.
وأضاف الرمادي، في تصريح لـ"العين الاخبارية"، أن الحركة كان بإمكانها الحصول على نفس قيمة القرض من البنك الدولي بنسبة فائدة لا تتجاوز 1,1 %.
وتابع قائلا إن "حكومات النهضة حصلت على صك خارجي بقيمة 60 مليون دولار ليستفيد منه قتلى وجرحى الثورة، غير أنه بالتثبت في مصير المبلغ، اتضح أن الصك تم صرفه لتقديم تعويضات لفائدة سجناء سابقين للإخوان".
وأشار إلى أن الحكومة حصلت في عام 2014، على قرض بقيمة 114 مليار دينار (ما يعادل نحو 55 مليون دولار)، مضيفا أن "كل هذه الأموال لم تعرف أين وكيف صرفت".
من جانبه، اعتبر المحلل السياسي التونسي الصحبي الصديق أن "إخوان تونس عاثوا فسادا في البلاد ونهبوا كل الأموال التي وصلت للبلاد بعد 2011، وتم توزيعها على قياداتهم البارزة ما زاد في ثرائهم".
وقال الصديق في حديث لـ"العين الاخبارية"، إن التدقيق الشامل بخصوص الهبات والقروض الذي تجريه السلطات التونسية يشمل أيضا الهبة الصينية بقيمة مليار دينار تونسي (نحو 350 مليون دولار )، والتي تم السطو عليها من قبل رفيق عبد السلام، صهر راشد الغنوشي (زعيم إخوان تونس)، وهو أمر مثبت بالوثائق".
وأكد أن إخوان تونس وزعوا تلك الأموال على أنفسهم وقدموا تعويضات لزملائهم في السجون، من إرهابيين ودمويين وسلفيين دون الالتفات للشعب الكادح".
وسبق للقضاء أن فتح تحقيقاً في اتهامات لوزير الخارجية السابق رفيق عبد السلام بالاستيلاء على هبة صينية.
وفي ديسمبر/ كانون الأول 2021، أصدر القضاء التونسي بطاقات إيداع بالسجن ضد 3 أشخاص من الإخوان متهمين بالاستيلاء على أموال جمعية خيرية قطرية موجهة للعائلات الفقيرة.
مقصلة المحاسبة
سبق للعديد من منظمات المجتمع المدني بتونس الإشارة إلى تجاوزات حركة النهضة الإخوانية في الاستيلاء على المال العام وتحويل وجهة القروض والهبات.
ومؤخرا، باشرت السلطات التونسية التحقيق في ملف الهبات والقروض الخارجية المقدمة إلى تونس بعد 2011، استنادا لاتهامات وجّهها الرئيس قيس سعيّد للحكومات المتعاقبة، بتوجيه بعض القروض والهبات إلى جيوب بعض المسؤولين.
وقال سعيد، إن "عشرات المليارات التي تم ضخها في تونس خلال العشر سنوات الماضية، زمن حكم حركة النهضة الإخوانية في البلاد، لا أثر لها في الواقع"، متوعدا بتحميل كل شخص متورط في اختفاء الهبات والقروض الممنوحة لتونس، مسؤوليته.
وكلف سعيد وزيرة المالية سهام بوغديري بإجراء "جرد شامل" للهبات والقروض التي حصلت عليها تونس في السنوات الماضية، لمعرفة كيفية إنفاق هذه الأموال ومآل القروض التي جاءت بصفة خاصة من الخارج.
وبحسب معطيات أولية رسمية، أثبت الجرد أنّ الحكومات المتوالية منذ العام 2011 حصلت على 325 قرضاً، منها 43 لم تدخل حيز النفاذ بسبب إلغاء أو تعطل المشاريع المتعلقة بها، كما حصلت الدولة التونسية على 113 هبة، ومنحت المؤسسات والشركات العمومية 99 هبة.
وكشفت المعطيات عن وجود إخلالات في مرحلة تنفيذ واستغلال أموال هذه القروض والهبات، تم على إثرها إحالة بعضها إلى القضاء، علاوة على وجود نقائص في شأن عدم الاستغلال الجيد للموارد المتاحة لتونس وسوء التحكم في الآجال، ممّا ساهم في تعثر إنجاز المشاريع وارتفاع كلفتها.
وسبق أن كشف الرئيس السابق للمفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر، خلال زيارة أجراها إلى تونس عام 2018، أن تكتل القارة العجوز قدم لتونس مساعدات بقيمة 10 مليارات يورو منذ 2011.
تعويضات
بعد 2011، استثمر الإخوان والسلفيون، بمن فيهم من شارك في عملية إرهابية عام 2007، قانون "العفو التشريعي العام" ومبدأَي العودة إلى العمل أو الانتداب المباشر في الوظيفة الحكومية.
ومنحت منتسبيها تعويضات مالية كبيرة، واستحدثت صندوقاً وحساباً خاصاً في الخزينة العامة، منتهكة بذلك الإجراءات القانونية، باسم "حساب جبر الضرر لضحايا الاستبداد المتمتعين بالعفو العام".
ومكنت أسر الإخوان في المؤسسات العامة، عبر تعيين فردين أو ثلاثة أو أكثر، إلى حدّ 11 فرداً من عائلة واحدة موالية لهم، بدلاً من توزيع هذه الوظائف على الأسر الفقيرة للمساهمة في تحسين أوضاعهم.
وفي تصريحات سابقة، أكد وزير الوظيفة العمومية الأسبق، عبيد البريكي، أن عدد الأشخاص الذين شملهم العفو التشريعي العام منذ 2011، بلغ نحو 7 آلاف شخص.
وأوضح أن قيمة التعويضات التي تمتّع بها الّذين شملهم العفو التشريعي العام بلغت نحو 143 مليون دينار (نحو 50 مليون دولار) كان إلياس الفخفاخ وقع على وثيقتها عندما كان وزيرا للمالية، بالإضافة إلى تمتعهم بالترقيات.
كما أشار إلى أن الانتدابات الجديدة بالوظيفة الحكومية بعد الثورة كانت جلها لأعضاء أو أنصار حركة النهضة.