الإضراب العام في تونس.. قصة فشل إخوانية
الخبراء يجمعون على أن الإضراب يعكس خطورة الأزمة التي تشهدها تونس، جراء سياسات حكومية خاطئة تبنتها حكومات الإخوان المتعاقبة.
بدأ أكثر من 630 ألف موظف حكومي بتونس إضرابا عاما، الخميس، بدعوة من أكبر نقابة عمالية بالبلاد، للمطالبة بزيادة الأجور.
حراك اجتماعي ضخم على مستوى جميع المؤسسات الحكومية بالبلاد سجل نسبة مشاركة في حدود الـ95%، وفق قيادات من "الاتحاد العام التونسي للشغل"، المركزية العمالية التي دعت إلى الإضراب العام.
الخبراء يجمعون على أن الإضراب يعكس خطورة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها تونس، جراء سياسات حكومية خاطئة تبنتها حكومات الإخوان المتعاقبة.
خيارات خاطئة لتحالفات هجينة
الإضراب يأتي في سياق سياسي مشحون بتجاذبات بين الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، ورئيس الحكومة يوسف الشاهد، على خلفية اختيار الأخير التحالف مع حركة "النهضة"، ليمضي بذلك عكس سياسات حزبه "نداء تونس" التي قطعت مع الإخوان.
سامي الطاهري القيادي بالاتحاد العام التونسي للشغل، اعتبر أن "الإضراب جاء بعد تنكر الحكومة لكل تعهداتها تجاه الموظفين العموميين (الحكوميين)، ونتيجة للخيارات اللااجتماعية لحكومة الشاهد وتحالفاته الهجينة".
وأضاف، في تصريح لـ"العين الإخبارية": "سنتبع جميع أشكال التصعيد من أجل الضغط على الحكومة، للاستجابة لمطالب الطبقة الوسطى".
واعتبر الطاهري أن البرلمان التونسي "حاد عن وظيفته الأساسية، وأصبح مفصولا عن هموم المواطنين اليومية".
ولفت إلى أن القدرة الشرائية للتونسيين "انهارت بالكامل، وسط نسب تضخم وصلت 7.6%".
وشدد على أنّ "دور المنظمة النقابية يكمن في احتضان المطالب الشعبية وتنظيم تحركاتها".
الطاهري تطرق أيضا إلى ما سماه "خيارات سيئة" للحكومة، في علاقة بسياسات التفويت في مؤسسات القطاع العام (بيعها للخواص)، مؤكدا أن "محاولات بيع مؤسسات الدولة يمثل فضيحة كبرى لحكومة الشاهد المتحالفة مع النهضة".
وبالنسبة إليه، فإن "تونس اليوم تحت حكم صندوق النقد الدولي والبنك الدولي"، مشيرا إلى أن "السلطة الحاكمة تعمل بمنطق الولاءات للخارج، ولا تحمل في سياساتها الأبعاد الوطنية الخالصة".
ساحة باردو ورمزية "اعتصام الرحيل"
اختار الاتحاد العام التونسي للشغل ساحة باردو بالعاصمة (قبالة مقر البرلمان)، لتنفيذ اجتماعه الجماهيري الخميس، في إشارة رمزية إلى "اعتصام الرحيل" الذي انتظم بالمكان نفسه عام 2013، ضد حكومة الإخوان التي كان يترأسها حينها علي العريض.
وفي كلمته بالاجتماع، وجه الأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي رسائل مبطنة إلى الإخوان، قائلا: "سنتصدى لكل خياراتكم التي لا تنتمي إلى هذا الوطن".
وتابع متوجها لوزراء الحكومة: "عار عليكم ألا تنصتوا إلى مشاغل الفقراء والكادحين"، مؤكدا استمرار النضال حتى تحقيق المطال.
كما أشار إلى وجود "غرف سوداء في تونس"، في إشارة إلى حركة النهضة، مضيفا أن "هذه الغرف تدير لعبة الإرهاب التي كانت وراء الاغتيالات السياسية والضحايا الذين سقطوا من أمنيين وعسكريين".
ويحسب للاتحاد العام التونسي للشغل وقوفه المستمر ضد مشاريع الإخوان، خصوصا عام 2013، كما استطاع أن يُزيح حكومة "الترويكا" (ضمت 3 أحزاب بينها النهضة 2011-2014)، عبر الضغط الشعبي وتحريك كل النقابات المحلية بجميع محافظات البلاد.
الشاهد بوجه العاصفة
يعد الاتحاد الذي تأسس عام 1946، أكبر قوة اجتماعية بالبلاد، وقد كان له دور في الاستقلال عن فرنسا عام 1956.
كما لعب أيضا أدوارا أحرجت العديد من الحكومات التونسية، مثل حكومة الهادي نويرة (1970-1980)، وحكومة محمد مزالي (1980-1986)، حين اختارت سياسات ليبرالية أثرت على القدرة الشرائية للتونسيين.
وبتصديه لـ"النهضة" يستعيد الاتحاد دوره كجدار صد ضد السياسات الليبرالية لحكومة الشاهد المتحالفة مع الحركة الإخوانية.
دور جديد سيجعل الشاهد في عزلة، خصوصا أن عائلته السياسية "نداء تونس" تساند تحركات الاتحاد، وتدفع بها نحو التصعيد.
حسن العماري، القيادي في "نداء تونس"، قال إن "الشاهد سيكون أضعف بعد تنفيذ الإضراب العام، لأنه فقد انتماءه إلى العائلة الوسطية والحداثية، وبات رهينة للإخوان"، حسب قوله.
وشدد العماري لـ"العين الإخبارية"، على أنه "لا يمكن الثقة بالإخوان كفاعل سياسي وطني"، محذرا الشاهد من مغبة مواصلة التحالف معهم.
ويرى العديد من المراقبين أن الشاهد خسر كل عناصر قوته بعد نهاية الارتباط بالسبسي، ومعارضة أبرز المنظمات بالبلاد، مثل اتحاد المرأة التونسية، واتحاد الصناعة والتجارة (منظمة الأعراف)، والمركزية العمالية، وحركة "نداء تونس"، لسياساته وتوجهاته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
وفي ظل تصاعد وتنامي الاحتجاجات الشعبية، وتوسع رقعتها في كل القطاعات (تعليم، صحة، نقل)، فإن الشاهد قد يخسر الكثير سياسيا، في وقت لم يعد للإخوان الأوراق الكافية لدعمه، بعد الاتهامات المتكررة بتورطهم في الإرهاب.