حكومة تونس.. مشاورات متعثرة "نفورًا" من الإخوان
خبراء يعتبرون أن غموض منهجية الحكم وفلسفة إدارة شؤون البلاد والخيارات الاقتصادية والاجتماعية المقبلة خلق حالة نفور من المشاركة
أرجع مراقبون تعثر تشكيل الحكومة التونسية إلى عجز رئيسها المكلف الحبيب الجملي عن إقناع القوى الفائزة في الانتخابات التشريعية بالمشاركة في حكومة قريبة من جماعة الإخوان الإرهابية.
- الجملي في اختبار تشكيل حكومة تونس.. واجهة إخوانية أم صوت مستقل؟
- خبراء تونسيون: الاستقلال شرط لنجاح الجملي في تشكيل الحكومة
ولم يفصح الجملي المكلف من قبل الرئيس التونسي قيس سعيد عن طبيعة حكومته، رغم مرور أكثر من أسبوع على انطلاق المفاوضات، وما إذا كانت ستكون وفق المحاصصة الحزبية أم أنها حكومة "تكنوقراط" تقنية لا تحمل لونًا سياسيًا.
يأتي هذا رغم تأكيد الجملي بأن هناك "تقدما" في المشاورات والتقاءه بجميع التوجهات السياسية من اليمين الى اليسار، إضافة الى اتحاد الصناعة والتجارة (نقابة رجال الأعمال) واتحاد الشغل والمنظمات الفلاحية (أكبر نقابة عمالية).
وأفادت مصادر مقربة من كواليس المشاورات الحكومية لـ"العين الإخبارية" أن إمكانيات الحسم في طبيعة الحكومة والعناصر السياسية التي ستشارك فيها قد يتجاوز أكثر من 30 يوما.
وأضافت أن غموض منهجية الحكم وفلسفة إدارة شؤون الدولة والخيارات الاقتصادية والاجتماعية المقبلة خلق حالة من النفور السياسي للمشاركة في الحكومة.
وتعتبر بعض الأطراف الحزبية أن "الجملي لا يحمل في جرابه السياسي الشيء الجديد لإنقاذ الاقتصاد من حالة الوهن التي أصابته منذ سنة 2011 وهو ما يدفعها إلى عدم التورط بالمشاركة في الحكم".
وأعلنت مجموعة من الأحزاب بشكل صريح انضمامها للمعارضة على غرار "حركة الشعب القومية" و"التيار الديمقراطي" و"الحزب الدستوري الحر" وحركة "تحيا تونس" و"الحزب الشعبي الجمهوري".
وأكد رئيس الحزب الشعبي الجمهوري لطفي المرايحي، حاصل على 3 مقاعد في البرلمان، لـ"العين الإخبارية"، أنه غير متفائل بخصوص المرحلة المقبلة وأن حزبه لن يكون ضمن الفريق الحاكم، معتبرًا أن "رئيس الحكومة لا يملك أدوات التغيير المطلوبة في الاقتصاد الوطني".
وفي ظل تعقد وضعية التحالفات السياسية في تونس وعودة الفتور في علاقة حركة النهضة بحزب قلب تونس يجد الجملي نفسه مطالب بالتنازل على مطالب حيوية للقوى الاجتماعية مثل الاتحاد العام التونسي للشغل.
صراع مرتقب مع اتحاد الشغل
ورغم تجديده التأكيد على أنه خارج الحسابات السياسية وحسابات المشاركة في الحكومة فإن الاتحاد العام التونسي للشغل طرح نفسه كقوة وازنة في المشهد السياسي التونسي ومحددا رئيسيا لمشروعية أية حكومة في تونس واستمرارها في الحكم.
وإثر لقاء أمينه العام نور الدين الطبوبي برئيس الحكومة، اشترط الاتحاد العام التونسي للشغل عليه الابتعاد عن العديد النقاط المرتبطة بالاقتصاد مثل "خصخصة المؤسسات التابعة للدولة" مع دعوته ضمنيا إلى "تحييد وزارات السياسة " (خاصة وزارة الداخلية) عن حركة النهضة.
ووصف الطبوبي، في حديث لوسائل الإعلام، العناصر الدائرة في فلك حركة النهضة الإخوانية على غرار "الكتلة البرلمانية لائتلاف الكرامة" بـ"المراهقين السياسيين "، محذرا من أي محاولة للالتفاف على حقوق العمال في الزيادة في الرواتب وحقوقهم الاجتماعية.
واعتبر العديد من المحللين هذا التصريح بأنه "إيذان بصراع مرتقب بين الاتحاد والحكومة في ظل الحرب الخفية التي تديرها شبكات التواصل الاجتماعي بين العائلة النقابية والإخوان".
الطبوبي يؤكد بأن "منظمة الطبقات العمالية في تونس مستهدفة من قبل الأصوات السياسية المتطرفة ومن قبل القوى الليبرالية التي تريد بيع المؤسسات العمومية وخصخصة قطاعات هامة مثل التعليم والصحة والنقل العام".
ويقول الباحث في العلوم السياسية مهذب حواص في حديث لـ"العين الإخبارية" إن "حكومة الجملي ستجد نفسها بين (فكي كماشة)، إما تطبيق الخيارات الإخوانية الاقتصادية الداعية في مجملها إلى بيع المؤسسات العمومية أو الالتزام بتحذيرات اتحاد الشغل الذي يتوعد بتحريك الشارع للتصدي للتوجهات الاقتصادية المتوحشة".
وأوضح أن "الاتحاد هو قوة اجتماعية منظمة ومنضبطة تضم قرابة المليون شخص من كل القطاعات، وهذا المعطى يجعل مصير أي حكومة مرتبط بمدى رضا الاتحاد عن سياساتها ومدى تحقيق هامش من الهدنة مع هذه المنظمة النقابية".