سوق البلاط في تونس.. صيدلية المدينة العتيقة وذاكرة الطب الشعبي
يعد سوق «البلاط» بالمدينة العتيقة في تونس العاصمة من أشهر وأقدم الأسواق المتخصصة في بيع الأعشاب ومستحضرات الطب البديل، إذ يقبل عليه التونسيون بكثافة من مختلف الشرائح الاجتماعية، لا سيما خلال فصل الشتاء مع انتشار نزلات البرد والفيروسات الموسمية.
وتنتشر في سوق البلاط الأعشاب الطبية بمختلف أشكالها وألوانها، وعلى امتداد الأزقة الضيقة والمتعرجة، يعلّق العطّارون فوق دكاكينهم الصغيرة أكواما من الأعشاب والعقاقير المستخلصة من أسرار الطب القديم، ويعرضونها أمام محلاتهم بأسعار تُعدّ في متناول الجميع.
ومع الارتفاع المتواصل في أسعار الأدوية في تونس، وفقدان بعض الأصناف بسبب الأزمة المالية التي تشهدها الصيدلية المركزية في البلاد، لجأ عدد متزايد من التونسيين إلى سوق البلاط بحثًا عن حشائش وعقاقير طبيعية نافعة وبأقل التكاليف.
ويوميا، يتوافد على محلات العطارة في السوق مئات الزبائن، غالبيتهم من النساء، الباحثات عن أعشاب يعتقدن أنها قد تساعد في التخفيف من أمراضهن وآلامهن المختلفة.
ويضمّ سوق البلاط أكثر من 200 عشبة برية تُستخدم في الوصفات الطبيعية، وتدخل في تركيب العديد من العقاقير التقليدية، حيث تُجمع من مختلف أنحاء البلاد لعلاج المرضى، كما يتم استيراد أعشاب أخرى نادرة من الشرق الأوسط والمغرب والسودان ومصر والهند.
ومن بين الأعشاب الأكثر تداولًا في السوق، تبرز السنمكة، وأوراق السدر، والإكليل، والزعتر، والزنجبيل، وأم الجلاجل، والحبة السوداء، وأم الروبية، والكلاتوس، والشيح، وغيرها من النباتات المعروفة في الطب الشعبي.
وقال الحاج محمد، أحد العطّارين بسوق البلاط لـ"العين الإخبارية"، إن هذا السوق يُعدّ بمثابة «صيدلية طبيعية»، موضحًا أن جميع الأعشاب المعروضة صحية وتحتوي على العديد من المواد البيولوجية والمعادن المفيدة للجسم.
وأضاف أن العلاج الطبيعي بالأعشاب لا يزال يحظى بثقة شريحة واسعة من العائلات التونسية، رغم توجه الأجيال الجديدة بشكل أكبر نحو العلاج العصري، مشيرًا إلى أن الزبائن يقصدون السوق أيضًا للحصول على نصائح حول كيفية استخدام الأعشاب بطريقة نافعة وآمنة.
وأكد أن الأعشاب المتداولة في السوق خالية من الخلطات أو المواد الكيميائية، وهي مستخلصة من الطبيعة، وقد اكتشف الإنسان فوائدها عبر التجربة المتراكمة منذ أزمنة بعيدة.
ومن أبرز الأعشاب المتداولة في السوق، يُستخدم الزنجبيل لعلاج الزكام، والمريمية لعسر الهضم، ونبتة «النانخة» لعلاج حصى الكلى، و«الخلنج» لعلاج البروستاتا، و«أم الجلاجل» لتنظيف الرحم، و«عود البخري» لمعالجة الصداع النصفي، إلى جانب نبتة الجنسنغ لعلاج الضعف الجنسي.
من جانبه، قال المؤرخ التونسي عبد القادر المسيليني إن مهنة التطبيب بالأعشاب في سوق البلاط تعود إلى فترة تأسيس الدولة الحفصية خلال القرن الثالث عشر، لكنها ترسخت بشكل أكبر مع قدوم الأتراك والأندلسيين والعلماء من المشرق العربي في مراحل تاريخية لاحقة.
وأوضح لـ"العين الإخبارية" أن تسمية السوق بـ«سوق البلاط» تعود إلى كونه أول سوق تم تبليطه في المدينة العتيقة بالعاصمة، مشيرًا إلى أنه، ورغم التحولات التاريخية والتطور العمراني، لا يزال يُعرف بسوق الفقراء، حيث يقصده التونسيون والسياح على حد سواء بحثًا عن الأعشاب الطبيعية ومواد التجميل التقليدية.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTAzIA== جزيرة ام اند امز