قفزة في الماء تعانق التاريخ.. «قمزة» تُعيد أمجاد الأحواض الرومانية في تونس (خاص)

تحتضن الأحواض الرومانية التاريخية في وادي الباي بمحافظة قفصة جنوب غربي تونس، فعاليات "قمزة"، التي انطلقت الأحد الماضي وتتواصل حتى نهاية مايو الجاري، وسط حضور لافت من الأهالي والشباب ومحبي رياضة القفز التقليدية في المياه.
الفعالية، التي تنظمها وزارتا الثقافة والرياضة بالتعاون مع المكتب المحلي لمنظمة الثقافة والرياضة والعمل، تسعى إلى إحياء تقاليد رياضية شعبية طالما شكلت جزءًا من هوية قفصة التاريخية، وفي مقدمتها "القفز في الماء"، وهي الترجمة الحرفية لكلمة "قمزة" باللهجة المحلية.
ويعود موقع الفعالية إلى معلم أثري فريد من نوعه، هو الحوض الروماني الشهير، الذي يتكوّن من ثلاث أحواض، اثنان منها مكشوفان، والثالث مسقوف بقبتين. وقد بُنيت هذه الأحواض حول منابع مياه طبيعية، وتتصل عبر قنوات تحت الأرض، فيما تزين جدرانها أحجار مربعة منقوشة بحروف ونصوص لاتينية، ما يكشف عن قدمها وارتباطها بالحقبة الرومانية.
وقال كمال عبادي، رئيس المكتب المحلي للمنظمة، إن "قمزة" هي فعالية ثقافية ورياضية وسياحية تراثية تهدف لإعادة الاعتبار إلى رياضة القفز في الأحواض، مشيرًا إلى أن البرنامج يتضمن عروضًا في القفز موجهة للشباب والكهول، إلى جانب فقرات فنية ومسرحية تروي تاريخ المدينة، أبرزها عرض يقدمه نادي المسرح ببرج العكارمة عن أسرار الأحواض وتاريخ قفصة العريق.
كما شمل الحدث زيارات ميدانية إلى متحف قفصة لتعريف المشاركين بالإرث الحضاري للمنطقة، إضافة إلى عرض فلكلوري لفرقة زياد الرويسي للفنون الشعبية.
ويُعد "معبد المياه" في وادي الباي من أبرز المعالم التاريخية في قفصة، إذ تشير الدائرة الجهوية للآثار إلى أن الحوض كان مكرّسًا خلال العهد الروماني لعبادة إله المياه "نبتون" و"حوريات المياه"، بحسب نقش لاتيني ما زال مرئيًا على الجدار الجنوبي للحوض الصغير.
وبالإضافة إلى قيمته التاريخية، يشكّل هذا المعلم متنفسًا حيويًا لأهالي قفصة في فصل الصيف، خاصة في ظل الارتفاع الكبير في درجات الحرارة، حيث يقصده السكان لممارسة السباحة والقفز في مياهه العذبة.
ورغم مرور الزمن، ما زالت الأحواض الرومانية تحتفظ بمكانة رمزية قوية في ذاكرة أبناء قفصة، وتُروى حولها الأساطير، من بينها أن العيون المائية لا تتدفّق بغزارة إلا إذا ذُبح عجل في مدرج الأحواض، لتسهر "حوريات المياه" على سلامة السباحين وتحميهم من الغرق.