زيتونة الشرف.. شجرة فينيقية عمرها 2500 عام تواصل حضورها في الذاكرة التونسية
شجرة زيتون "الشرف" تعد من أكبر أشجار الزيتون في حوض البحر الأبيض المتوسط وفي العالم، حيث تعد معلما سياحيا وتاريخيا مهما يجسد عراقة زراعة الزيتون في تونس منذ آلاف السنين.
تقدّم زيتونة الشرف في منطقة الهوارية التابعة لمحافظة نابل شمال شرقي تونس نموذجًا فريدًا لاستمرارية زراعة الزيتون منذ آلاف السنين، إذ تقف هذه الشجرة المعمرة شاهدًا حقيقيًا على تاريخ يمتد لأكثر من 2500 عام، تعود جذورها إلى العهد الفينيقي.
وتُعد الهوارية، المعروفة بطبيعتها الجبلية الساحلية، موطنًا لهذه الزيتونة الضخمة التي ارتبطت بتاريخ الفينيقيين، مؤسسي مدينة قرطاج عام 814 قبل الميلاد، والتي تحولت لاحقًا إلى قوة كبرى في حوض البحر الأبيض المتوسط.
جذور تاريخية تمتد من الفينيقيين إلى الرومان
ارتبطت تونس بزراعة الزيتون وإنتاج زيته منذ العصور الفينيقية والقرطاجية، قبل أن تشهد توسعًا واسعًا في العهد الروماني، حين أصبحت المناطق الساحلية مركزًا رئيسيًا لتزويد روما بزيت الزيتون. وقد أسهم تتابع الحضارات في تطوير هذه الزراعة حتى أصبحت ركيزة اقتصادية وثقافية بارزة في البلاد.
وفي هذا السياق، تبقى زيتونة الشرف واحدة من أبرز الشواهد الطبيعية على هذا التاريخ الزراعي، إذ مازالت تحتفظ بخضرتها وكثافة ظلالها وجودة ثمارها، رغم مرور القرون.

مواصفات استثنائية لشجرة استثنائية
تتميّز زيتونة الشرف بضخامتها، حيث يغطي حجمها أكثر من 220 مترًا مربعًا، ويبلغ ارتفاعها نحو 10 أمتار، فيما تمتد جذورها إلى عمق يقارب 21 مترًا تحت الأرض. أما جذعها فيبلغ قطره 4 أمتار، وتتشعب أغصانها إلى نحو 12 مترًا، ما يجعلها من أكبر أشجار الزيتون المعروفة في المنطقة.
ويؤكد سكان المنطقة أن مذاق زيت ثمارها مختلف عن الزيت التقليدي، إذ يشبه مذاق اللوز، بينما يتميز بلونه الأصفر الذهبي وجودته العالية مقارنة بزيوت الزيتون في بقية أنحاء تونس.
تصنيف علمي ومكانة تراثية
ووفقًا للمعهد العالي للزيتون في تونس، تُعد زيتونة الشرف أقدم زيتونة في القارة الإفريقية، إذ تعود للعهد الفينيقي مباشرة، وتليها زيتونة العكاريت في جنوب البلاد التي يزيد عمرها عن 900 عام.
وتصل طاقتها الإنتاجية، في السنوات الممطرة، إلى أكثر من 500 كيلوغرام من الزيتون. كما يشير ناشط المجتمع المدني ياسين قدانة إلى أنّ هذه الشجرة تُعتبر إحدى العناصر الراسخة في الذاكرة الجماعية لأهالي المنطقة، ويمتد حضورها إلى التراث الوطني بوصفها شجرة مباركة يعوَّل على حمايتها وتثمينها.
تحديات الإنتاج في السنوات الأخيرة
وأوضح قدانة أن زيتونة الشرف كانت منذ 15 عامًا تنتج ما يقارب نصف طن من الزيتون، يُستخرج منه نحو 600 كيلوغرام من زيت الزيتون. إلا أن الإنتاج تراجع خلال السنوات الأخيرة، إذ لم يتجاوز في العام الماضي 250 كيلوغرامًا فقط، وقد تتوقف عن الإنتاج كليًا في بعض المواسم، شأنها شأن العديد من أشجار الزيتون التي تتأثر بالتغيرات المناخية في تونس.
وتبقى زيتونة الشرف، رغم هذه التحديات، إحدى أبرز الرموز الطبيعية المرتبطة بتاريخ إنتاج الزيتون في تونس، وواحدة من أقدم الشواهد الحية على زراعة ترسخت قبل آلاف السنين وما تزال ممتدة إلى اليوم.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTgzIA== جزيرة ام اند امز