جني "الزقوقو".. رحلة إنتاج شاقة تسبق يوم المولد النبوي (خاص)
مع اقتراب الاحتفالات بالمولد النبوي الشريف في تونس، تزدهر مهنة جني الصنوبر الحلبي "الزقوقو"، حيث دأب التونسيون على هذه العادة المتوارثة منذ بداية القرن الـ20.
وتكون عصيدة الزقوقو الطبق الرئيسي لهذه الاحتفالات، حيث يسارع التونسيون لشراء نصيبهم من هذه المادة لإسعاد أطفالهم وعائلاتهم، ورغم لذة هذا الطبق إلا أن عملية جنيه صعبة جدا.
و"الزقوقو" كلمة عامية تونسية تعني الصنوبر الحلبي، ويقع إنتاجه في مرتفعات الشمال الغربي على الحدود التونسية الجزائرية، وتمتد غاباته على 300 ألف هكتار من محافظات الكاف وجندوبة والقصرين.
وفي محافظة الكاف بالشمال الغربي، تحدث محرز القيزاني أحد سكان المحافظة الذي يقتات من عملية قطف الزقوقو، حاله حال الآلاف من سكان هذه المنطقة الذين توارثوا مهنة جمع مخاريط الصنوبر الحلبي أبا عن جد.
وتحدث محرز لـ"العين الإخبارية" عن الرحلة الشاقة التي يسلكها يوميا لمدة تتجاوز 5 أشهر سنويا في سبيل جني مادة الزقوقو لربح بعض الأموال عله يوفر بعض الدينارات كي يعيش منها.
وأكد أنه يقضي أياما طويلة معلقا بين أشجار الصنوبر العالية لقطف الزقوقو، وهي عملية صعبة جدا نظرا لعلو هذه الأشجار التي يفوق طولها 10 أمتار، ثم تتواصل رحلة المصاعب في الأفران تحت الأرض بحرارتها المرتفعة حتى تستسلم مخاريط الزقوقو أمام درجة حرارة الفرن.
وأوضح أن المخاريط تبقى داخل الفرن بين 3 و4 ساعات أحياناً، بعدها ينزل إلى داخل الفرن رغم حراراته المرتفعة لينفض "مخاريط الزقوقو"، ثم يخرجها لتنقيتها من الشوائب، وتصفيتها بالاستعانة بعامل الريح.
وأكد أنه منذ نعومة أظافره لا يعرف عملا آخر غير هذا العمل الذي أصبح جزءاً من حياته، موضحا أنه رغم عدم جنيه الكثير من الأموال إلا أنه لا يجيد أي أعمال أخرى سوى هذه المهنة الموسمية فيما يعمل بقية أشهر السنة في جني الزيتون والإكليل من الجبال.
من جهته، قال رئيس الاتحاد المحلي للفلاحة والصيد البحري بمحافظة سليانة (شمال غربي) طارق المخزومي إن إنتاج “الزقوقو” لهذا الموسم سجل انخفاضا بحوالي 30% مقارنة بالسنة الماضية، ما انعكس آليا على الأسعار التي عرفت ارتفاعا.
وربط سبب تراجع إنتاج “الزقوقو” للموسم الحالي بالجفاف الذي عرفته تونس بسبب تراجع تساقط الأمطار، والحرائق المهولة التي جدّت بعدة غابات في الشمال الغربي التونسي.
وأكد أن سعر الكيلوغرام من مادة الزقوقو يقدر ب30 دينارا تونسيا ما يعادل 8 دولارات.
عصيدة "الزقوقو"
يستغرب البعض من أن هذه العصيدة موجودة فقط في تونس، البلد الوحيد الذي يستهلكها، وتستخرج من ثمرة "الصنوبر الحلبي"، وبحسب المؤرخ عبد الستار عمامو، ظهر استعمال "الزقوقو" بداية القرن الـ20، وتتصدر عصيدة "الزقوقو" لائحة الأكلات في الاحتفال بعيد المولد النبوي في تونس.
تحويل ثمار "الصنوبر الحلبي" إلى عصيدة عمل يحتاج جهداً، إذ يتم تنظيف حبات "الزقوقو" وغسلها بالماء ثم تجفيفها بعد عرضها للشمس وطحنها حتى تتحول إلى عجينة، وتضاف إليها كمية من الطحين والسكر، وتطبخ على نار هادئة مع التحريك المستمر. ويتم تزيينها بأنواع مختلفة من المكسرات.
ويعود أصل طهي الصنوبر الحلبي في تونس إلى نهاية القرن الـ19 وبداية القرن الـ20، حيث لجأ التونسيون إلى استعماله إثر ثورة علي بن غذاهم سنة 1864 (ثورة قامت ضد نظام البايات على يد القائد بن غذاهم).
وبسبب الفقر المنتشر والمجاعة التي ضربت تونس في تلك الفترة اضطرت العائلات التونسية إلى إعداد هذه العصيدة لتعويض غياب الحبوب وتلف المحصول السنوي.
ومنذ ذلك الزمن، ومع تطور الأزمنة أصبحت العائلات التونسية تتفنن صنعها إلى أن ارتبطت بالمولد النبوي الشريف كل سنة، وأصبحت منتشرة لدى كل العائلات من شمالها إلى جنوبها.
وتقدم العصيدة صبيحة ذكرى المولد (يوم 12 ربيع أول من العام الهجري)، وتقوم العائلات بتبادل الزيارات وتبادل صحاف "عصيدة الزقوقو"، ويتهافت الصغار لتناولها كونها حلوة الطعم.
وتستهلك السوق التونسية قرابة 300 طن من "الزقوقو" سنويا في هذه المناسبة، وتضطر السلطات لاستيراد جزء من حاجاتها السنوية من الجزائر المجاورة، حسب منظمة الدفاع عن المستهلك الحكومية.
aXA6IDMuMTIuMzYuNDUg جزيرة ام اند امز